(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

الثلاثاء، يونيو 07، 2016

التسبيح في المسبحة ذات الخرز

سئل ابن حجر الهيتمي: هل للسبحة أصل في السنة أو لا؟
   (فأجاب) بقوله: نعم, وقد ألف في ذلك الحافظ السيوطي; فمن ذلك ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما {رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده}، وما صح عن صفية: رضي الله عنها {دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن, فقال: ما هذا يا بنت حيي. قلت: أسبح بهن, قال: قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا, قلت: علمني يا رسول الله قال: قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيء}، وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي {عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين التوحيد, واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات}، وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقد عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم وأخرج الديلمي مرفوعا: نعم المذكر السبحة.



   وعن بعض العلماء: عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمر. وفصل بعضهم فقال: إن أمن المسبح الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أفضل؟[1].
   عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهَا، {أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى -أَوْ حَصًى- تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا -أَوْ أَفْضَلُ-، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ} رواه أبو داود بإسناد ضعيف.

   عَنْ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيْ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهِنَّ، فَقَالَ: يَا بِنْتَ حُيَيٍّ مَا هَذَا؟ قُلْتُ: أُسَبِّحُ بِهِنَّ، قَالَ: قَدْ سَبَّحْتُ مُنْذُ قُمْتُ عَلَى رَأْسِكِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، قُلْتُ: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُولِي سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ} رواه الحاكم في مستدركه وقال عنه: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِصْرِيِّينَ بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا.
يقول الشوكاني: "الحديثان يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز. قد وردت بذلك آثار: ففي جزء هلال الحفار من طريق معتمر بن سليمان عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسي وأخرجه الإمام أحمد في الزهد قال: حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس بن عبيد عن أمه قالت: رأيت أبا صفية رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان خازنا قالت: فكان يسبح بالحصى. وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلم أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى وقال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا عبد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن جابر عن امرأة خدمته عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيه. وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألف عقدة فلا ينام حتى يسبح. وأخرج أحمد في الزهد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان لأبي الدرداء نوى من العجوة في كيس فكان إذا صلى الغداة أخرجها واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن. وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجموع. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق زينب بنت سليمان بن علي عن أم الحسن بنت جعفر عن أبيها عن جدها عن علي رضي الله عنه مرفوعا {نعم المذكر السبحة} وقد ساق السيوطي آثارا في الجزء الذي سماه "المنحة في السبحة" وهو من جملة كتابه المجموع في الفتاوى وقال في آخره: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها انتهى"[2].
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية عن استخدام السبحة في عدد الأذكار:
"السبحة كما قال ابن منظور هي الخرزات التي يعد بها المسبح تسبيحه قال: وهي كلمة مولدة, وقد قال: المسبحة، قال الشيخ محمد شمس الحق شارح السنن بعد أن أورد حديث سعد بن أبي وقاص السابق ذكره: الحديث دليل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى, وكذا بالسبحة; لعدم الفارق, لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره, والإرشاد إلى ما هو أفضل منه لا ينافي الجواز. قال: وقد وردت في ذلك آثار, ولم يصب من قال إن ذلك بدعة. وجرى صاحب الحرز على أنها بدعة إلا أنه قال: إنها مستحبة, ونقل ابن علان عن شرح المشكاة لابن حجر قوله: في الحديث المذكور ندب اتخاذ السبحة, وزعم أنها بدعة غير صحيح, إلا أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء, مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب، ورد ابن علان القول بأنها بدعة بأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم تلك المرأة على العد بالحصى أو النوى ينفي أنها بدعة فإن الإقرار هو من السنة, والسبحة في معنى العد بالحصى, إذ لا يختلف الغرض من كونها منظومة -أي منظومة بخيط- أو منثورة، قال: وقد أفردت السبحة بجزء لطيف سميته "إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح" أوردت فيها ما يتعلق بها من الأخبار والآثار والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع، وحاصله أن العقد بالأنامل أفضل لا سيما مع الأذكار بعد الصلاة, أما في الأعداد الكثيرة التي يلهي الاشتغال بعدها عن التوجه للذكر فالأفضل استعمال السبحة"[3].  






[1] ابن حجر، الفتاوى الفقهية الكبرى، ج 1 ص 152.
[2] الشوكاني، نيل الأوطار، ج 2 ص 365- 366.
[3] الموسوعة الفقهية الكويتية: ج 21ص 259.
التعليقات
0 التعليقات
جميع الحقوق محفوضة@2015 : د.حسن بن جازي الحويطات