الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإستراتيجيات الجديدة للصراع بين السلطة والمجتمعات

الإستراتيجيات الجديدة للصراع بين السلطة والمجتمعات

07.11.2017
إبراهيم غرايبة


الحياة
الاثنين 6/11/2017
في التحول من الهرمية إلى الشبكية يتحول الصراع نفسه أيضاً ليكون بين السلطة والمجتمعات بدلاً مما هو ضد أحزاب وجماعات معارضة للسلطة، يمكن على سبيل المثال الإشارة إلى عمليات التدوين في شبكات التواصل وما تحركه من جدل واعتقالات ومحاكمات، فالمدونون الذين يعتقلون اليوم ليسوا صحافيين محترفين، أو لا يعملون في مؤسسات إعلامية، لكنهم مواطنون يدونون ملاحظاتهم وأفكارهم في شبكات التواصل الاجتماعي، وفي ذلك فإن السلطة تجد نفسها في مواجهة المواطنين والمجتمعات، ويستعيد الصراع الاجتماعي والسياسي حالة سابقة على الدولة الحديثة، ما يدعو إلى التساؤل عن الطبيعة المستقبلية للدولة نفسها، فكما انحسرت الأحزاب السياسية والصحف ووسائل الإعلام والمعارضات التقليدية فإن مؤسسة الدولة نفسها تواجه المصير نفسه، وقد يصلح الصراع الجاري اليوم في الشرق الأوسط حالة دراسية للتنبؤ والملاحظة، ولم يعد جديداً القول إن الحروب بين الدول قد اختفت لتتحول إلى حروب داخلية، تدفع بطبيعة الحال إلى تشكلات وتنظيمات اجتماعية جديدة للتكيف مع التحولات وضغوطاتها وفرصها.
وبالنظر إلى الإصلاح على أنه صراع بين الطبقات وما تمثله من مصالح، ويكون في محصلته التسويات والمكاسب الممكن الحصول عليها في التنافس، فإن السؤال يكون ما الإستراتيجيات الجديدة للصراع السلمي بين المجتمعات والنخب على افتراض أن سؤالاً بديهياً قد تشكل من قبل كيف نخرج من الصراعات المسلحة إلى صراعات سلمية أو تسويات لا تقتل فيها الأطراف المتصارعة نفسها؟
تمضي الطبقات المهيمنة بطبيعتها الأوليغارشية الاحتكارية في إدارة مصالحها ومواقفها على أساس الهيمنة الشاملة على الفرص والموارد وحرمان المجتمعات والطبقات من كل ما يمكن ان تتيحه التقنية والتطورات الاقتصادية والسياسية حتى لو لم يكن في ذلك تهديد لهذه الطبقات، لكنها تنظر إلى اي مكسب للمجتمعات على أنه تهديد محتمل لها، وتخاف من نهاية مروعة في نهاية الصراع يجعلها (النهاية) أسوأ احتمال، ويدفعها على نحو حاسم لدخول صراع مصيري لا مجال للتسوية فيه مع المجتمعات. لكن الخوف المتواصل يؤول في النهاية إلى تدمير الخائف نفسه مهما كانت قوته وموارده!
كيف تدير المجتمعات صراعها مع الأوليغارشيا وتنتزع منها تنازلات ومكاسب؟ لا خلاف حول الفوضى التي أنشأتها الشبكة، ولا خلاف أيضاً حول فهم الصراع الجديد، وفي ذلك فإن الخيار الممكن هو التحول من الفوضى إلى محاولة التأثير بالفعل في السياسة والفكر، الإجابة بالطبع لدى النخب المهيمنة هي السيطرة على الشبكة وتحويلها إلى مؤسسات تشبه الصحف ووسائل الإعلام في مرحلة ما قبل الإنترنت. لكن يبدو أن الشبكة خرجت عن السيطرة، ولا مناص من تغيير قواعد الصراع والتنافس لأن اللعبة نفسها تغيرت، وفي ذلك فإن المجتمعات في حاجة إلى النضال من أجل التنافس العادل، وأن تتنازل النخب المهيمنة عن كثير من الامتيازات غير العادلة ان لم تكن كلها وأن تدخل في اللعبة بما اكتسبته من مكاسب وفرص مقبولة في اللعبة العادلة (نسبياً).
فالشبكية بما أنشأت مساواة واقعية ملموسة بين جميع الناس (تقريباً) تنشئ فلسفة سياسية جديدة مفادها أن المساواة في الوصول إلى المعرفة ومصادرها تقتضي مساواة في الأهلية والكفاءة في تقدير ما يصلح وما لا يصلح لتنظيم حياة ومصالح الأفراد والمجتمعات والدول، وعلى نحو واقعي وملموس تتحول القلاع والهياكل التي نظمت مصالح ومصائر الناس لآلاف السنين، وكانت تحتكرها فئة من العارفين إلى شبكة يشاركها فيها جميع من يمكنهم الوصول إليها،... ويكيبيديا تتحول إلى مثال يعمم على البرلمانات والحكومات والمدارس والجامعات والتشريعات وتنظيم شؤون الناسا ومصالحهم وعباداتهم وخياراتهم.
ويتغير أيضاً في الصراع الجديد الموارد التي تتنافس عليها الفئات والطبقات، وفي مواصلة الاحتكار والمنع للموارد والفرص الجديدة في الطاقة وتحلية المياه والطابعات الثلاثية الأبعاد وأنظمة القيادة الذاتية وإمكانية التعلم والتواصل بل وإجراء العمليات الجراحية المعقدة من غير وصاية أو تحكم متخصص معقد يتغير معنى الموارد والمهن والأسواق نفسها، ويتغير أيضاً محتوى الصراع والسياسة والاقتصاد.
لكن تحتاج المجتمعات والجماهير أيضاً إلى أن تدرك اللحظة، وتسأل نفسها بعقلانية وهدوء ما الذي تريده وما الذي لا تريده وماذا يمكنها ان تحقق وماذا لا يمكنها.