صورة محمد بن سلمان

صورة محمد بن سلمان

09 ابريل 2018
+ الخط -
من مزايا رحلة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أخيرا إلى الولايات المتحدة، توفيرها كمّا من الحوارات المطولة التي أجراها الرجل مع أشهر وسائل الإعلام الأميركية، ومنها مجلتا الأتلانتك والتايم وبرنامج ستون دقيقة، وهو ما يعد مادة أولية جيدة لفهم كيف يفكر الأمير الشاب في نفسه وفي سياساته، كما يوفر أيضا مادة جيدة لفهم كيف ينظر الأميركيون أنفسهم لمحمد بن سلمان، والتحديات التي يواجهها.
على الصعيد الإيجابي، حملت المقابلات الصحافية التي أجرها بن سلمان، والتغطية الصحافية المرافقة لزيارته إشادة كثيرة بالأمير الشاب وتصوراته، خصوصا على صعيدي الإصلاح الاقتصادي والثقافي داخل المملكة. حيث أشارت وسائل الإعلام بشكل متكرر إلى سعي بن سلمان إلى تقليل اعتماد بلاده على النفط، وعلى الدولة الريعية التي توفر كل شيء للمواطن من خلال توظيفه ودعم مختلف الخدمات التي تقدم له، ولا تفرض عليه أي ضرائب. وفي المقابل، صورت الأمير الشاب شخصا يعمل بلا كلل، وساعات طويلة يوميا، ولا يتوقف عن تتبع مرؤوسيه، وحثهم على مضاعفة جهودهم الرامية إلى نقل اقتصاد المملكة في فترة وجيزة لدولة أكثر اعتمادا على القطاع الخاص والبحث العلمي والإبداع والصناعات المتطورة، خصوصا في مجال البتروكيماويات والطاقة المتجددة.
هذا بالإضافة إلى تصوير بن سلمان قائد ثورة أخرى ثقافية، تهدف إلى تغيير الثقافة الدينية للمملكة من خلال تحرير المرأة، ومنحها حق قيادة السيارات، ومضاعفة وجودها في سوق العمل ودورها السياسي، وكذلك تحريرها تدريجيا من القيود المحافظة المفروضة عليها، مثل حاجتها للحصول على موافقة ولي الأمر قبل السفر، وتتضمن ثورة بن سلمان الثقافية الحد من نفوذ المؤسسة الدينية على الحياة العامة السعودية، من خلال تقييد الشرطة الدينية، ومنح الشعب السعودي مساحة أكبر من الحرية الثقافية، والترفيه، والدفع إلى تصورات أكثر انفتاحا للدين الإسلامي، تركز على التنوع الفقهي وتعدد المذاهب الإسلامية، والتعايش بين الطوائف
الإسلامية المختلفة، كالسنة والشيعة بين أبناء الأديان المختلفة، من مسلمين ومسيحيين ويهود على أرض المملكة، كما أكد بن سلمان في مقابلته مع مجلة الأتلانتيك.
في مقابل التصورات الإيجابية السابقة، لم تخل التغطية الإعلامية الأميركية من حديث عن تحديات جسيمة تواجه ولي العهد السعودي، خلال مساعيه إلى تحقيق الإصلاحات السابقة، وفي مقدمتها:
أولا: على الصعيد الاقتصادي، يحتاج بن سلمان نخبة اقتصادية جادة تدعم توجهه نحو القطاع الخاص، وفقا لرؤيته لتطوير الاقتصاد السعودي، والتي تعد مهمته الأولى والأهم، فلو تأخر الإصلاح الاقتصادي فستزيد الأعباء على الميزانية السعودية، في ظل تراجع أسعار النفط وسياسات المملكة المكلفة وزيادة أعداد سكانها، وخصوصا الشباب منهم. وهنا يشير بعضهم إلى أن الحملة التي أطلقها بن سلمان أخيرا ضد عشرات من أهم الأثرياء السعوديين بتهمة ملاحقة الفساد سوف تدفع المستثمرين في السعودية، وخارجها، إلى التريث قبل الاستثمار في المملكة، وانتظار ما سيلي تلك الحملة من إجراءات، وماذا كان بن سلمان ينوي التحول لدعم ظهور رأسمالية حرة وجادة ترعاها الدولة، أو دعم رأسمالية مشوهة تابعة للنظام، ويرى أصحاب هذا الرأي أن المستثمرين الجادين لن يتوجهوا إلى المملكة لو شعروا بعدم الأمان، وغياب فرصة تكوين نخب قطاع خاص حرّة يحميها القانون.
التحدي الثاني يكمن في طموحات بن سلمان، والتي تتميز بقلة الصبر والحدية، وارتفاع التكاليف، وخصوصا كما ظهر على ساحة السياسة الخارجية، حيث تنتقد مقالات عديدة سياسات بن سلمان الخارجية، وخصوصا في اليمن ولبنان وتجاه قطر، باعتبارها سياسات متسرعة ذات تأثير عكسي، لم تقدر عواقب الأمور، حيث تصور بن سلمان وقادة جيشه في بداية الحرب على اليمن أن في وسعهم تحقيق نصر سريع، وهو ما لم يتحقق. كما تصوروا مع شركائهم في الإمارات في بداية الحملة على قطر، إن بإمكانهم تغيير النظام في دولة قطر، أو تغيير سياساته، وهو ما لم يحدث، بل على العكس دفعوا القيادة القطرية إلى التمسك أكثر باستقلاليتها، وللتقرب من تركيا وإيران، وقسموا الصف الخليجي، كما فشلت جهود بن سلمان في الضغط على رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، من خلال احتجازه المهين بالمملكة، ما أضعف الحريري من ناحية، ووسع الفارق بينه وبين المملكة من ناحية أخرى.
وهنا يرى بعضهم أن بن سلمان تخلى عن أسلوب قادة المملكة في صناعة سياساتهم، والذي مال تقليديا إلى المحافظة والتدريج والبحث عن توازنات، وأنه يعالج، بأسلوب الصدمة، وبعضها للأسف، يفشل كما يظهر بوضوح على صعيد السياسة الخارجية، ما يثير المخاوف من تبعات سياسة بن سلمان الداخلية ذاتها، والتي قد لا تكون ظاهرةً للعيان حاليا، فبن سلمان قوّض، خلال فترة وجيزة، بعض أهم دعائم النظام السياسي السعودي الداخلية، وخصوصا فيما يتعلق بدعم المؤسسة الدينية المحافظة والأسرة الحاكمة، حيث أضعف بن سلمان الأولى، وقسم الثانية في ظل صعوده السريع إلى السلطة، والإجراءات التي اتخذها في حق بعض أبرز منافسيه وأكثر الأمراء السعوديين نفوذا في المملكة، وهي أمور تثير أسئلة كثيرة حول مدى الدعم الذي يمتلكه ولي العهد السعودي داخليا، في ظل ما يقوم به من تغييرات، وفي غياب استطلاعات رأي مستقلة، وفي حالة توليه الحكم وغياب الدعم الذي يحصل عليه حاليا من والده الملك سلمان.
يرتبط التحدي الثالث بحقيقة أن إصلاحات بن سلمان الثقافية والاقتصادية لا ترتبط بأي إصلاحات سياسية، حيث أكد بن سلمان، في مقابلاته المختلفة، أن الأولية هي للتنمية والحرية الاقتصادية والثقافية، رافضا الحديث عن الحريات السياسية، والتخلي عن الملكية الدستورية، معتبرا أن تقاليد المملكة وطبيعة المجتمع لا يسمحان بذلك، وأن السعودية مليئة بآلاف الملكيات غير المقيدة على مستوى القبائل والمدن، ما يجعل الملكية غير المقيدة جزءا من تركيبة المجتمع، كما أشار في مقابلته مع "الأتلانتيك".
وهنا يتساءل بعضهم عن طبيعة الدوائر المحيطة ببن سلمان، وماذا كان يستمع لنقد حقيقي لسياساته قادر على بناء نخبة بيروقراطية واقتصادية جادة ومستقلة نسبيا، تستطيع تحقيق رؤيته، وانتقاده أخطائه لو تطلب الأمر؟

يتعلق التحدي الرابع بالدور الأميركي ذاته، فالولايات المتحدة تبدو حريصة على تقليل وجودها في المنطقة، والحد من تكاليفه، كما يظهر من إعلان ترامب عن سعيه إلى الحد من الوجود الأميركي في سورية، وفي الدور الأميركي المحدود في حرب اليمن. والواضح في الحالتين أن أميركا تفضل أن تتحمل بلدان إقليمية، كالسعودية، الفاتورة الأكبر، وهو ما سيحمل المملكة تكاليف باهظة من ناحية، وسيعرضها، من ناحية أخرى، لانكشاف سياسي، في غياب ثقل أميركي حقيقي، ففي سورية مثلا اضطرت السعودية للتراجع عن هدف إطاحة نظام الأسد والإعلان على لسان ولي العهد، في مقابلته مع "التايم"، عن بقاء الأسد في سورية، في ظل تمسك الروس به، على أمل تقليل روسيا من النفوذ الإيراني هناك.
وهكذا تبدو كثير من أهداف بن سلمان الخارجية، والتي لا تخلو من حدية وطموح مبالغ فيه، مواقف مصيرها التراجع والتغيير تدريجيا في ظل تغير موازين القوى الدولية، وتراجع النفوذ الأميركي، خصوصا لو تغيرت إدارة ترامب، وعدم امتلاك المملكة بمفردها القوة الكافية لتحقيق أهدافها على تلك الأصعدة، وتبقى الساحة الداخلية السعودية المجال الأهم لاختبار سياسات بن سلمان، وكيف سيتحكم في الإصلاحات الاقتصادية والثقافية، للتأكد من أنها لن تضعف قبضته على مقاليد الحكم، أو ترفع سقف مطالب الشعب السياسية.