”القمامة” البغدادية
مع بداية العام الهجري ومحرم، هالني الحال الذي صارت عليه الأحوال في العراق المدمر! فلقد زرت هذا البلد أثناء الحصار مرتين، وكنت ساعتها، أرى ما سيحصل بعد دخول الأمريكان، وحدث ما كان في الحسبان، وسقطت بغداد السبية، وصرنا اليوم نبكي على الأطلال و”ندفش” مع كل “دافش”، ونتخوف من “داعش”، “بما جنته على نفسها براقش”.
وجدت نفسي في بغداد أتصيد الفرائس من فرس الفرس والروم، بشارع المتنبي المعلوم، ثم بسوق الصفير (النحاس) المختوم، ثم بالسوق العتيق المغطى المرقوم، وكان اليوم يوم صوم، وإذا بي ألمح قالي زلابية بجلابية! قلت: لعله الشاعر ابن الرومي، قد ينظم لي قصيدة في مدح الزلابية وقلب اللوز، وأخرى في هجاء أوباما وبوش العجوز..وإذا بي أرى سواديا من الأنبار يجر بجهد أخاه الحمار، كان بلباس شيعي أمريكي، قلت له وأنا أتقمص سيرة بديع الزمان الهمذاني صاحب”المقامة البغدادية”: لا حياك الله يا أبا عبيد.. كيف أنت وكيف أحوال أبيك ابن الحمار..وأمك كلبة الجار؟.. والله لقد كدت أنساك..وأنسى الحمار أباك.. من جاء بك..وبجد أمك إلى بغداد؟ يا بن نصف براد؟. قال: أنا لست أبو عبيد بل الجنرال أبي زيد..!! قلت له: زيد يا بن غبريط بعد بن بوزيد! وكيف خالك من الرضاعة “أبوشـ ..كارة”..قبيح الكمارة؟…وكيف حال الأعادي في الرمادي؟.. رد علي بلغة عربية مكسرة المفصل، كعمارة مفجرة في الموصل: والله ما كنا نعرف أننا سنصل إلى هذا الموصل..لنصل إلى داعش، التي ولدت مثل “الزومبي” من نعوش الفواحش!. قلت له: أريد منك يا أبا زيد أن تعيرني حمارك لساعة وأن نأكل سويا الزلابية عند أحد الباعة.. فوالله إني اشتقت الأذاذ وأنا ببغداد وليس معي دولار ولا أورو..! فقال لي: أما الأولى فلا.. فهذه دبابة “هامر” وليست “حامر”..وأنا لا أجرها وإنما أسوقها لحماية السوق من النوق.. ومن القذائف التي تأتي من تحت أكثر من فوق..! أما الثانية فنعم..! فأنا أحب الحلوى الشرقية والمهلبية والزلابية..فأي تاجر نقصد وأي بائع تريد؟! قلت له: الكل سيان، إنما زلابية العربي أبو حسين فهي ثقيلة في الميزان خفيفة في الذوق على اللسان، تنزع كل داء من الأمعاء وتورث الفطنة والذكاء. وتالله إني لأراك محتاجا إليها وكل من دخل بغداد من غير أهلها، لما فيها من عسل الزنابير وشهد حلو كالمسامير..وشمع طبيعي بلون الدبابير.
وما إن تذوق أبي زيد زلابية العربي أبو حسين، حتى كان أبو حسين، يهوي على أم رأسه بهراوة من صنع عراقي، فيما أطلقت أنا ساقي إلى الريح وأنا أقول:”الشامي شامي والبغدادي بغدادي”.
وأستيقظ وقد هوى علي التلفاز وكاميرته، بعدما نمت تحته، حتى لا أرى كمارته!