What do you think?
Rate this book
350 pages, Paperback
First published January 1, 2006
مثلث الحصار: حكم المخابرات والبوليس السياسي كركن قاعدي للمثلث، يتممه ويعززه ركنا العصبيات والأصوليات
الإستبداد ليس مجرد حجب للديموقراطية او منع للحقوق، بل هو علاقة مختلفة نوعيًا تقوم على اختزال الكيان الإنساني للآخرين الى مستوى "الرعية" التي تعني لغويًا القطيع من الأكباش او الأغنام الذي يمتلكه السلطان ويحميه ويرعاه والذي يهلك بدون هذه الحماية والرعاية، لأنه لا يملك القدرة او الإرادة على الإمساك بزمام المصير
يتفاوت الهدر بين انعدام الإعتراف بإنسانية الإنسان كحد اقصى، وبين استعباده واهماله والاستغناء عن فكره وطاقاته، بإعتباره عبئًا او فائضًا عن الحاجة.. كما قد يتخذ الهدر طابع تحويل الإنسان الى أداة لخدمة أغراض العصبيات او الاستبداد يضحى به في حروب النفوذ باعتباره الوقود الذي يغذي اشتعالها، او الآداة التي تبجّل وتطبّل لسلطان المستبد وتخدم اغراض هيمنته وتوسع سطوة نفوذه. وقد يتخذ طابعا ذاتيا ينخرط فيها المريض في تدمير ذاته.
ان المسألة ليست في اشكالية التنمية وقضاباها كما تم تداولها في التقارير الدولية، بل في اشكالية تحوّل تاريخي لم ينجز... فالعرب لا زالوا يعيشون في ظل تشابك الأزمنة ما بين قبلي وحديث، وما بين النسيج العصبي وقناع الحداثة
بينما حدثت الثورة الصناعية والثورة العمرانية في الغرب من خلال غلبة المدينة وقوانين حركتها ومؤسساتها وفلسفة علاقاتها ومصالحها (مما يعرف بالبرجوازية) على الريف والإقطاع وعصبيات امراء القلاع وقساوسة الكنيسة، إذا بالمدينة العربية تعرف تحركًا مضادًا. فبدلًا من تحضّر الريف والبادية، اذا بها تتريف وتتبدون
تقوم علاقات السلطة في العصبية على "أخلاق الطاعة" التي تشكّل سند البنية البطركية. تأخذ النمط الفوقي/التبعي. توفر الحماية والحصانة والعزوة والمغانم مقابل الولاء غير المشروط والتبعية
حين تتحكم البنى العصبية في وطن ما يتحول كيانه الى مجرد وعاء شكلي معرّض لشتى الأخطار الداخلية والخارجية. ذلك ان قوة الوطن ومنعته تتوقفان على درجة انصهار مختلف شرائحه وفئاته ضمن كيانه الذي يتجاوز كلًا منها
في البلاد المتقدمة تستهلك الشعوب حكامها من خلال التفويض وسحب التفويض والمساءلة. هناك دومًا أشخاص جدد يحلون محل من انتهى تفويضهم بالضرورة. أما في نظام الإستبداد العصبي، فإن الحكام هم الذين يستهلكون شعوبهم والكيان الوطني ذاته من خلال تأزيل سلطانهم
هناك تطابق يصل حد التماهي ما بين الفكر الطليق والتقدم الحضاري. وبالطبع لم يفهم عالمنا (العربي) هذا الدرس الى الآن، حيث يظن ان التقدم هو مجرد لعبة تقنية يمكن استيرادها واستيعابها
يتقدم العلم من خلال اعادة نظر دائمة بالفرضيات والقوانين، كلما ظهرت معطيات جديدة تشكك فيها او تنقضها. اما نحن فنبحث عن الثوابت القاطعة والجواب الواحد الصحيح (اكتشاف الجوهر) الذي يغلق دائرة البحث ويقيد الفكر. ولذلك يحبذ الحكام في طغيانهم الشرقي السذاجة الصوفية على النقدية الفلسفية
يقيم علي حرب الاستبداد (على الصعيد الفكري) على الثنائية التالية " نموذج مرجعي يدعي القبض على الحقيقة ويمارس الوصاية على شؤون العقيدة والأمة من جانب، وأبله ثقافي يتصرف كقاصر يتلقى من مرجعه او مرشده ما يمليه عليه من الأحكام والتعاليم
لقد انتشرت كتب الآداب السلطانية التي تمرر بعضها بعضًا، وتكرر جميعها قيمتين مركزيتين: "طاعة السلطان من طاعة الله" و " الدين والملك توأمان". ومع انه لا شيء في القرآن والحديث الصحيح يشير الى مثل هذا الربط الشرطي فإن "سوق الأدب السلطاني" في الثقافة العربية والتي تكرس دولة الطاعة الكسراوية وثقافتها، تأبى الا ان تجعل هاتين القيمتين الكسرويتين من حقائق الدين في الإسلام وهو منهما براء (الجابري)
لا شك في ان ممارسة التعذيب تحتاج الى الغاء الشعور بالذنب او تعليقه. وهو ما يتم من خلال إسباغ المشروعية على التعذيب بل وجعله عملًا اقتصاصيًا يكتسب دلالة الواجب النبيل، من خلال وضعه على رصيد الدفاع عن القضايا الكبرى السامية التي لا يجوز ان تهددها الضحية وامثالها. يؤدي ذلك الى اسكات مشاعر الذنب، وإحلال الحماس في ممارسة الفعل العدواني محلها
يجمّد الجلاد السادي ضحاياه كي يتمكن هو من التحرك، ينزلهم الى مرتبة اللاشيء كي يصبح هو كل شيء. والواقع ان الجلاد خارج المعتقل هو حقيقة لا شيء إنسانيًا. إنه النكرة التي لم تجد وسيلة لتحقيق ذاتها إلا من خلال إسقاط كل هزالها وخوائها على ضحاياها الذين انهاروا تحت التعذيب
ان صحة اي مجتمع ونماءه كما حيويته وقوته تتوقف على حيوية فكره، ويقظة وعيه، وقوة طاقاته وحسن توظيفها. أولا تجمع الأدبيات والتقارير على ان قوة المعرفة هي اساس اقتدار المجتمعات راهنًا، وان درجة الوعي ويقظته هي الضامن لنفاذ الرؤى وفاعليتها واتساع افقها، لإستيعاب الحاضر وقضاياه واستشراق المستقبل ومتطلبات صناعته؟
يتحالف كل من الأمن والرقابة السياسية ويتدخل الذين نصّبوا انفسهم حماة للدين وأوصباء على عقول الناس لمصادرة الكتب، ومحاربتها بالشبهة وإطلاق تهم التكفير والخيانة والمساس بالعفاف والأخلاق. وليس الفكر وحده هو الذي يحارب ويمنع بل المؤلف ذاته الذي يجرّم او يكفّر وصولًا الى هدر دمه. كل ما يمس الدين والجنس والأنظمة العربية من قريب او بعيد ممنوع
يمكن تلخيص مغامرة العقل الكبرى من خلال استعراض فلسفة العلم في 3 محطات.. في محطة اولى تم الانتصار في معركة سلطة العقل ضد سلطة اللاهوت... في المحطة الثانية تم توطيد قوة العقل من خلال منهجيات الدقة العلمية والصرامة والضبط الفكري... اما في المحطة الثالثة فتمثلت الثورة في تحطيم القيود الذاتية للعقل نفسه من خلال تحطيم اصنامه المعرفية.. وصولًا الى اطلاق العنان لإشتغاله في حالة دائمة من تجاوز منجزاته.. انها ثورة العقل الطليق
لا يتعين علينا قطع كامل المسافة التي قطعها الغرب خلال قرون ثلاثة من جديد. إلا ان هناك جهدًا هائلًا يتعيّن بذله للدخول في الفكر العلمي وامتلاك ناصيته، ليس فقط على مستوى الإعداد والتكوين اللذين يظلان ممكنين، إنما قبلًا على مستوى توفير الشروط المسبقة المتمثلة في توفير المناخات السياسية والإجتماعية والثقافية التي توفّر التربة الملائمة لإستزراع الفكر والتكوين العقلي العلمي واستنباته وازدهاره
لقد وجد تحالف سلطات الهدر (الإستبداد والعصبيات الوطنية، مع استبداد العولمة وأقطابها) في التسلية والإلهاء من خلال الإعلام نوعًا من المخدّر الفعّال. يظل الشباب في حالة مأزقية غير قابلة للإحتمال إلا أن تكبت وتموه من خلال أمجاد وبطولات وإنجازات وهمية او متخيّلة، مما يفسر لنا هذا ال��ماس منقطع النظير لمشاركتهم في البرامج التلفزيونية التي اخذت تتسابق عليها بعض الفضائيات العربية... وكذلك مباريات كرة القدم التي اصبحت تشكّل دين الشباب الجديد
يتحالف مربع هدر الوعي في الحرب على العقل والتبصر. فالإستبداد يمنع الوعي من خلال هدر الفكر.. والعصبيات والأصوليات تهدر الوعي من خلال فرض التعصب والدغمائية ومنع المساءلة وفرض المرجعية الماضوية او التقليدية (الظلامية)، وترى في اعادة انتاجهما أفضل حالات التكيف الذي يلقى التعزيز بواسطة إجزال العطاء ورفع القيمة... أما العولمة فهي تسطّح الوعي من خلال رضاعة التسلية
ان من هُدر كيانه مهيأ لهدر كيان كل ما حوله من عمران وناس. ومن استبيحت إنسانيته، سوف يستبيح كل شيء حين تتاح له الفرص. كل شيء يصبح فاقدًا للقيمة والحصانة حين يفقد الإنسان قيمته وحصانته
تنقلب القيم، وتُصاب اللغة بالزيف والفصام من خلال الترويج لوهم العيش في فردوس عهد المستبد، حيث لا شيء يمت الى المواطن بصلة، وحيث لا مكان ولا مكانة لأي صاحب موقف. يتقوقع على ذاته ويحاول ايجاد نوع من التوازن من خلا إبداعه الأدبي، ولكنه يصاب بجرح نرجسي إزاء تواطؤ الناس مع السلطة ضد المبدعين.
إضافة الى آلية الإنشطار الذاتي التي تمثّل حالة تجنب مواجهة مأزق الهدر بكل كارثيته، وكذلك آلية التبلد واللاميالاة، هناك آلية الإحتماء بالماضي... أمّا الإحتماء بالماضي فهو شائع في اوقات الهزيمة الجماعية. تنكفئ الجماعة الى العيش في الأمجاد التاريخية ووهم امكانية استعادتها بما يوفّر توازنًا وجوديًا بديلًا. تغرق الجماعة في بطولات الماضي المجيد مما يجعلها تعيش في وهم مستقبل ناصع. ذلك هو الهدر يكرر ذاته ما دام يصرف المرء عن صناعة مستقبله مستبدلًا به وهمًا مستقبليًا
يشكل الإحتماء بالقدر والمكتوب والمتحان والبلاء دفاعًا جماعيًا آخر في مواجهة الهدر. يتجاوز الأمر في هذه الحالة مسألة الاحتماء وصولًا الى اسقاط المسؤولية الذاتية. فالقدر والمكتوب لا راد لهما، وبالتالي ليس للإنسان إلا التسليم، وليس عليه من ذنب او غضاضة، وليس له ان يعاني من تفجرات الأزمة النفسية الذاتية ما دام لا سلطة له او إرادة او حول لما حل به: إنه قدره
يشكل الادمان على الكحول والمخدرات احدى آليات القلب الى الضد المعروفة، لما فيه من تغيير لدلالة الوجود ذاتها، وبالتالي دلالة الذات. يلعب المخدّر دور التعويض عن خواء الوجود وبؤس انعدام القيمة (ان تكون لاشيء). فمن خلال الجرعة ينقلب الخواء الى امتلاء، وينقلب جحيم الوجود الى نعيم، كما في الإدمان ". يصبح كيانه ممتلئًا فيزدري الدنياعلى الهيرويين. ومن خلال الجرعة يتعالى متعاطي الحشيش على بؤسه الكياني، حيث يشعر "بالسلطنة
الغاية الرئيسية لعلم النفس الإيجابي تتمثل في قياس وفهم وبناء مكامن القوة الإنسانية وفضائلها المدنية، وصولًا الى ارشادنا في تطوير "الحياة الجيدة، او الطيبة
لا مكان في عالمنا المعاصر الا للأقوياء الذين يعملون على بناء اقتدراهم الذاتي، واقتدار جماعاتهم. المسألة هي بصدد ان تصبح حيوية وحرجة بشكل متصاعد: فإما التحرر من الهدر، وإما الضياع والدخول في فئة الناس المستغنى عنهم، والمجتمعات المستغنى عنها."
الوعي هو ان تصبح على صلة بما انت عليه، وما تشعر به وتفكر فيه وتفعله. كما انه هو التنبه لمدى تزوير الخبرات الوجودية. وعندما يصبح الإنسان واعيًا بما هو عليه وما يفعله في الحاضر (هنا والآن)، فإنه يبدأ في البحث عن الحلول والبدائل، ويتمكن من صنع خيارات اكثر معنى واتخاذ إجراءات اكثر فاعلية، من استجاباته الدفاعية السلبية