الأردن "عالقاً"... الرياض، طهران وواشنطن

الأردن "عالقاً"... الرياض، طهران وواشنطن

06 ابريل 2015

الأردن ... حماية الحدود والمستقبل

+ الخط -

بعد زيارة وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، قبل أسابيع، إلى طهران، ما فُسّر بأنّه انفتاح ناعم على المعسكر الإيراني، بالتزامن مع التقارب مع القوى الشيعية العراقية؛ فوجئ المراقبون بعاصفة الحزم السعودية، في اليمن، والتي تتوارى وراءها حرب باردة عربية بالوكالة مع إيران. وأعلن الأردن مشاركته في هذه الحملة العسكرية السعودية، عشية القمة العربية في شرم الشيخ، على الرغم مما بدا تضارباً أو ارتباكاً في السياسة الخارجية الأردنية، بين خطوات متقاربة زمنياً إلى درجة كبيرة، لكنها متناقضة في أهدافها ومساراتها؛ أي انفتاح على إيران هنا في العراق وسورية، وإعلان الحرب عليها هناك في اليمن.

بدا هذا الارتباك الأردني جليّاً أكبر، وأكثر وضوحاً في أسبابه وتداعياته، في قمة شرم الشيخ العربية، فالملك عبدالله الثاني غادر القمّة مبكّراً، بعد جلسة الافتتاح، تاركاً رئيس الوزراء يلقي كلمته بالنيابة، فيما برز التفاوت والاختلاف في الرؤية بين كل من الأردن والسعودية تجاه الملفات الإقليمية عبر كلمتي الملك سلمان والملك عبدالله (بالإنابة)، فبينما شدد الأردن على أهمية الحرب على الإرهاب في العراق وسورية، ومواجهة تنظيم داعش، ما استغرق كلمة الملك كاملة، خصصت الكلمة السعودية لموضوع الحوثيين واليمن، وسارت أغلب أهداف القمة نحو المنظور السعودي.

إرهاصات التباين الأردني السعودي بدأت قبل ذلك، منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، ومعه مطبخ جديد للقرار يتشكل من اثنين مهمين؛ محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان، فمنذ اللحظة الأولى صدرت إشارات متعددة بوجود "استدارة سعودية" ما، لكن قياسها وتقدير حجمها تجاه الملفات الإقليمية كان موضع تحليل وتكهّن وترقب من الجميع.

وبدأت ملامح التحول السعودي ومؤشراته مع التقارب غير المسبوق والحميمية في العلاقات السعودية التركية، وعبر مقالات مهمة لكتّاب سعوديين بارزين في صحف سعودية عريقة، تكشف عن وجود مراجعات عميقة في مطبخ القرار في الرياض تجاه السياسة الخارجية التي أصابتها حالة إخفاق شديدة وخسارات كبيرة، منيت بها في العراق وسورية، وأخيراً اليمن. لكن، فوق هذا وذاك، وما هو أهم منه التحول غير المباشر، لكنه المحسوس والملموس على الأرض، في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، والقلق السعودي الكبير من الصفقة النووية الإيرانية التي كانت المعطيات تشير إلى أنّها ستكون، بدرجة رئيسة، على حساب العرب، وسينتج عنها اعتراف بإيران قوة إقليمية مهيمنة، أو بعبارة أحد الكتّاب البارزين بوصفها القوة الإقليمية الكبرى!

بالنتيجة؛ جاءت عاصفة الحزم بوصفها مؤشراً مهماً ورئيساً على نتائج المخاض السعودي الداخلي، والمراجعات المكثفة السريعة لدى القيادة الجديدة، ردّاً على التمدد الإيراني السريع في اليمن، وتجاوز الخطوط السعودية الحمراء كافّة.

المهم في هذا التحول الكبير في الموقف السعودي، في الحرب والقمة العربية أخيراً، هو أنّ هذه العاصفة لن تكون النهاية، بل البداية لسلسلة تحولات سعودية عميقة، تحدث عنها الباحث السعودي المقرب من دوائر القرار، نواف عبيد، في مقالة مهمة له في "واشنطن بوست"، عندما رسم معالم الرؤية السعودية التي تقوم على بناء جبهة سنيّة عالمية (السعودية، تركيا، باكستان، مصر)، تضع الخطر الإيراني على أولويات التهديدات والتحديات، وتعيد تشكيل خارطة التحالفات الإقليمية في المنطقة بصورة بنيوية متدرجة.

ماذا يعني ذلك للأردن؟ بكلمة واحدة هو انهيار للعقيدة الاستراتيجية التي عمل "مطبخ القرار" الأردني مع دولة الإمارات على تكريسها، بعد الانقلاب العسكري في مصر، وقبلتها القيادة السعودية السابقة، وتقوم على اعتبار الخطر الإخواني- التركي- القطري بمثابة التهديد الأول والتحدي الرئيس الداخلي، بالتزاوج مع الخطر الإرهابي المتمثل بتنظيم داعش في العراق وسورية، مع تراجع الاهتمام بالتمدد الإيراني إلى المرتبة الثانية. وقد نجم عن هذه الاستراتيجية العربية، من المعسكر المحافظ، اعتبار حركات الإسلام السياسي كافة إرهابية، التحول في الموقف من الصراع الدائر في سورية بوصف داعش هي الخطر الأكبر، وليس النظام السوري أو الإيراني، واندماج الدول العربية بقوة في الحملة الأميركية العسكرية ضد تنظيم داعش والحرب على الإرهاب، واعتبار ذلك أولوية عربية.

هنا، تحديداً، تكمن معضلة تعامل الأردن مع التحولات الأخيرة، خصوصاً بعد استشهاد الطيار العسكري، معاذ الكساسبة، إذ أعاد "مطبخ القرار" في عمان صوغ الدور الإقليمي الأردني بالكامل، على وقع الحرب على الإرهاب، واندفع الأردن للتنظير ضد داعش، واعتبر الملك مهمته الرئيسة، في الشهور الماضية، حشد الدعم الدولي والإقليمي لمواجهة تنظيم داعش والاندماج في الحرب على الإرهاب، وبدأ يرتّب لمؤتمر عربي- إسلامي، كان يفترض أن يعقد في الفترة الراهنة في الجامع الأزهر، تحت عنوان مواجهة الإرهاب، إلا أنّ التحول في الموقف السعودي وردّ الاعتبار للمقاربة التقليدية في السياسة السعودية بوصف إيران مصدر التهديد الرئيس، وضع مكابح شديدة للسياسة الأردنية!

الآن، تبدو السياسة الخارجية الأردنية ممزّقة بين لحظتين تاريخيتين؛ السابقة- الحرب على الإرهاب، الحالية- التحولات السعودية والموقف من إيران، وبين تيارين في خندق الحلفاء؛ الأول هو الأميركي الذي يصر على أولوية خطر داعش ويتقارب مع إيران، ويكاد يسلّم بالنفوذ الإيراني في العراق وسورية، والثاني هو السعودي، الذي بدأ يتقارب مع أردوغان (غير المرغوب أردنياً) وقطر، ويعيد تعريف مصادر التهديد، ما قد ينجم عنه من تقييم جديد لمسار الحرب على الإرهاب التي أصبحت تخدم النفوذ الإيراني بصورة كاملة.

بين هاتين اللحظتين وهذين التيارين؛ تبدو الانطلاقة الأردنية الكبرى بعد استشهاد الكساسبة، وصعود دور الأردن الإقليمي في اللحظة السابقة في طور السكون الكامل، مع وجود شعور مهيمن على الأوساط السياسية في عمان بأنّ هنالك "تحجيماً" لمستوى الدور الأردني.

بالإضافة إلى هذا وذاك، ثمّة خيبة أمل كبرى لدى السياسيين الأردنيين، تتمثّل بحجم الدعم العربي الشحيح، مقارنة بالإغداق على النظام المصري، وخيبة أمل أخرى من النظام المصري، الذي لا يبدو واضحاً وحاسماً في مواقفه السياسية الخارجية وتجاه الملفات المختلفة، بقدر ما هو حريص فقط على جذب الدعم المالي الخليجي لمواجهة الاستحقاقات الاقتصادية الكبرى الداخلية الحاسمة.

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.