هل ردّ سلال على أويحيى؟
تحمل “خرجة” الوزير الأول عبد المالك سلال الأخيرة، عبر مختلف وسائل الإعلام العمومية، العديد من الرسائل السياسية، اختار لها الرجل، الوقت المناسب كي يرد بها على منافسيه أو لنقل خصومه السياسيين.
ولا يحمل الظرف الذي جاءت فيه “خرجة” سلال الإعلامية أي خصوصية، ما يجعل المتابع للشأن السياسي يبحث عن خلفياتها، بل إن هذا المعطى يدفع إلى الاعتقاد أن الرجل أراد إعادة الاعتبار لشخصه، من خلال شغل الفضاء الإعلامي، الذي ملأه الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، ضجيجا في خرجاته الأخيرة.
الرسالة التي يمكن استخلاصها من هذه “الخرجة” هي أن سلال أراد الرد على رئيس الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، الذي هاجم في وقت سابق طريقة تسيير الحكومة الحالية (بزعامة سلال) للأزمة الناجمة عن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية وما خلفته من انهيار مداخيل البلاد من المحروقات إلى النصف، وهوما جعل الجميع ينتظر هذه “الخرجة” من سلال التي تأخرت كثيرا.
وكان أويحيى قد هاجم سلال ضمنيا، عندما شبه تعاطي الحكومة الحالية مع أزمة تراجع أسعار النفط، بالطريقة التي تعاطت بها حكومة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، في النصف الأول من عشرية ثمانينات القرن المنصرم، التي بدأت معها الأزمة الاقتصادية، قبل أن تتطور لتنفجر فيما بعد اجتماعيا فيما عرف بأحداث أكتوبر 1988.
ومعلوم أن تلك التصريحات قرأها الكثير من المتتبعين على أنها بداية عودة أويحيى إلى الواجهة الحكومية بعد أن عاد إلى الواجهة الحزبية كأمين عام للتجمع الوطني الديمقراطي، بطريقة سلسة توحي أن تلك العودة نسجت خيوطها خارج دواليب الحزب، وبالضبط حيث تدار التوازنات في قمة الهرم السلطوي.
وما عزز تلك القراءة، هوأن أويحيى معروف باضطلاعه بـ“المهمات القذرة“، كما اعترف هوبنفسه، إذا تطلبت الضرورة وطلب منه ذلك، الأمر الذي جعله ربما الممقوت الأول شعبيا، وإن كان ذلك لا يزعج أويحيى، طالما أنه يؤمن أن ما يقوم به خدمة للدولة.
وبالعودة إلى الظرف الذي خرج فيه سلال عن صمته، نجد أن الرجل انتظر إلى أن مرت عليه عاصفة التغييرات على مستوى الحكومة والولاة، في هدوء وطمأنينة، قبل أن يخرج ولسان حاله يقول: “ها أنا باق في منصبي يا أويحيى، وما كان منك مجرد عرض للخدمات، قوبلت بالتجاهل من قبل القاضي الأول“.
بل ولم يكتف بذلك، فراح يرد على انتقاد أويحيى لطريقة تسييره الأزمة، عندما قال إن “الحكومة ليست بصدد تنفيذ سياسة التقشف ولا تتجه إلى سياسة التقشف، لأن التقشف يولد الفقر“، وكان يريد من خلال هذه العبارة، تذكير سلفه في الحكومة بأن “سياسية شد الحزام“، لا تمر بالضرورة عبر تفقير الناس، وإنما من خلال ترشيد موارد الدولة، والإحالة هنا إلى القرارات “غير الشعبوية” التي انخرط فيها أويحيى عندما كان رئيسا للحكومة في التسعينات.