وهل هناك فارق بين الكلمتين؟ أليس الغنى هو الثراء؟ والثراء هو الغنى؟

كانت المرة الأولى التي أسمع فيها هذا السؤال في أول محاضرة لي في عالم التسويق الإلكتروني منذ عشر سنوات. وكان المعنى غريبًا على ذهني في البداية، ولكن سرعان ما استوعبته.

الغني: هو من يملك الثروة.

الثري: هو من يمكنه صنع الثروة.

لنتعمق أكثر في هذا المفهوم، بهذه القصة اللطيفة.

كان لي صديق يُدعىي وسام. وسام مات أبوه وترك له ربع مليون جنيه نصيبه من الإرث. ربع مليون جنيه له وحده. 250,000 جنيه لشاب في بداية العشرينات، لم يتعب فيهم، له أصدقاء سوء يمكنهم تدمير شباب دولة بأكملها، وقد مر سابقًا بفترة لا بأس بها من الحرمان في حياته، مع أب متشدد يعرف كيف يأتي المال.

القصة كانت من نحو 20 عامًا، ومبلغ مثل هذا يمكن عمل الكثير به (يمكن شراء شقة معقولة + سيارة متواضعة + بدء مشروع صغير + رصيد لا بأس به في البنك).

حسنًا .. هذا المبلغ الضخم تم تدميره في 8 شهور بالضبط. كان التدمير ما بين السفر والترحال في مدن مصر الترفيهية (شرم الشيخ – الغردقة – الساحل الشمالي – مرسى مطروح – ..الخ)، الإنفاق ببذخ على السهرات المشبوهة، وتعاطي المخدرات، وما تتوقعه من باقي الموبقات.

حينما قابلت وسام بعدها كان يعمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة حتى يمكنه الإنفاق على نفسه.

كان وسام غنيًا، ولكنه لم يكن ثريًا.

لم يفهم أبجديات التعامل مع المال بالشكل الصحيح، فقام بتدمير هذا المال بشكل شهواني، ولم ينظر إلى نفسه وهو يعمل في المطعم، وظن أن المال سيدوم له، وظن أنه لن ينتهي مهما أنفق منه. لدينا في مصر مثل شعبي يتحدث عن تدمير الثروة في وقت وجيز يقول "خذ من التل، يختل".

على الناحية الأخرى – وفي نفس الدولة – كان هناك شاب واعد، يُمني نفسه بأن يُصبح أحد مليونيرات الإنترنت. تمكن من إنشاء موقع يقدم محتوى باللغة الإنجليزية، يستهدف جمهور من كندا والولايات المتحدة الأمريكية، وخلال فترة وجيزة بدأ الموقع في النمو والانتشار، وبدأ الجمهور يتوافد عليه، وبدأ يحقق بعض الأرباح المعقولة من الإعلانات، التي كفلت له دخلًا ثابتًا كل شهر.

كان هذا قبل أن يُصبح ذات يوم ليجد أن موقعه اختفى!

كلما كتب اسم موقعه، ظهر له صفحة تخبره بحدوث خطأ ما. تواصل مع شركة الاستضافة لتخبره بالفاجعة: حدث حريق مفاجيء في حجرة الخوادم Servers ولم يتمكنوا من السيطرة عليه، فضاعت النسخة الأصلية من الموقع، وكذا النسخة الاحتياطية في آن واحد.

كان هذا منذ أكثر من عشر سنوات، ولم يكن صديقنا يدري شيئًا عن ضرورة توفير نسخة احتياطية Backup من موقعه، ولم تكن الشركة بالحجم الكبير أو المهارة الكافية لتوفير نسخة احتياطية في موقع آخر، فضاع مجهود سنتين في لحظة واحدة.

تواصلت معه وأنا أدري جيدًا أن كلمات العزاء ستبدو – حينئذ – باهتة سخيفة، فسألته: هتعمل إيه؟

قال لي: هعمل إيه يعني؟ هبدأ من أول وجديد؟

موقعه الآن – لحظة كتابة هذه السطور – يحظى بمليون زائر شهريًا، ووصل عدد الكتب الإلكترونية التي كتبها، 10 كتب، يبيع منها كل شهر العشرات والمئات، وقد أصبح كما تمنى: أحد مليونيرات الإنترنت.

هل اتضح المعنى الآن؟ هل أدركت الفارق بين الغني والثري؟

الغني إذا فقد ماله، سيبكي بجانبه ... الثري إذا فقد ماله، ينفض ثيابه، ويبدأ من جديد.

الغني يجد دومًا مشكلة في كل حل ... بينما الثري يجد حلاً في كل مشكلة.

الغني أحادي التفكير، لا يعرف في الحياة إلا مهارة واحدة ... بينما الثري واسع الإطلاع، متعدد المهارات، يأخذ من كل بستان زهرة.

الغني محدود الطموح ... الثري طموحه يلازمه كروحه.

الغني قد يصيبه بعض الحظ، مرة أو مرتين ... الثري الحظ معه على الدوام.

الغني ينظر إلى ما في يده على أنه أقصى الأمانى، وأبلغ الذروات ... الثري يرى دومًا قمة أعلى من التي أمامه.

وأخيرًا، الغني يتغير حاله بتغير المآل ... الثري يبقى كما هو بأخلاقه، ولا تغيره الأيام أو الأحوال.

هل صادفت يومًا أحد هذين النمطين؟ هل اقتربت يومًا من غني؟ هل تعاملت يومًا مع ثري؟