استراتيجية ترامب في سوريا يمكن أن تكون كارثة


نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالًا للباحث الأمريكي - البريطاني تشارلز ليستر بعنوان: استراتيجية ترامب في سوريا يمكن أن تكون كارثة.

وجاء في افتتاحية المقال قول الكاتب: "الرئيس المنتخب يريد أن يتحالف مع الأسد وروسيا لقتال تنظيم الدولة، لكنه بذلك سيدعم التطرف ويسبب الفوضى للشرق الأوسط".

فلقد صرح ترامب في أول موقف له تجاه الأزمة الحاصلة في سوريا وأكد على تكثيف الجهود للقضاء على تنظيم الدولة والتطرف، وألمح إلى الحد من دعم الذين يقاتلون الأسد. 

ويقول "ليستر": إن الرئيس المنتخب ترامب قام بتبسيط الأزمة بشكل كبير وتعقيداتها العظيمة؛ إذ قام بربط مسألة قتال تنظيم الدولة بالكف عن قتال نظام الأسد والحد من دعم الجماعات التي تقاتله؛ لأنه زعم أن الولايات المتحدة لا تعرف عن تلك الجماعات شيئًا، ونوه بأن كلًّا من روسيا وإيران تدعمان نظام الأسد التي تدعي قتالها لتنظيم الدولة.

ويضيف ليستر: أن سياسات ترامب في سوريا من قتال وتدمير تنظيم الدولة  سيكون له أثر رئيسي في إزالة المعارضة المعتدلة لنظام بشار الأسد وفي تدعيم التطرف.

ويقول: "قبل الخوض في النتائج الكارثية لسياسة ترامب، لابد من البحث عن سبب بطلان هكذا طرح سياسي؛ حيث إن ملخص دروس التاريخ يثبت فقدان نظام الأسد لمقومات مكافحة الإرهاب، فأجهزة أمن هذا النظام هي من أنشأت القاعدة في العراق، ومن بعدها تنظيم الدولة في العراق بقوة إرهابية هائلة لقتال القوات الأمريكية في العراق من العام 2003 لعام 2010، فكان من الممكن لمئات من الجنود الأمريكان أن يكونوا على قيد الحياة لولا دعم نظام الأسد لتنظيم الدولة هناك".

ويضيف: "في الوقت نفسه، فاقتراح ترامب للدخول في شراكة مع روسيا في سحق  تنظيم الدولة يبدو أكثر تناقضًا مع الواقع، فلقد تم رصد الضربات التي نفذتها روسيا في سوريا وكانت نسبة 8% من الأهداف المستهدفة فقط تابعة لتنظيم الدولة، من المناطق التي استهدفتها الغارات الجوية الروسية بين 12 أكتوبر و8 نوفمبر مع استثناء وحيد استهدفت فيه روسيا مجموعة تابعة للتنظيم، لكن انصب تركيز الكرملين بشكل لا لبس فيه وباستمرار على محاربة المعارضة السورية الرئيسية، وليس التنظيم وكان الكثير من الاستهداف ضد أعضاء مرتبطين بالولايات المتحدة من المعارضة السورية".

ويقول ليستر في مقاله: "خلافًا لتصريحات ترامب، فالولايات المتحدة تعرف بالضبط من هم هؤلاء الناس الذين يتلقون دعمًا من الولايات المتحدة، وقد أنتجت وكالة الاستخبارات المركزية شبكة معقدة من العلاقات مع العشرات من الجماعات المعتدلة السورية من الجيش الحر منذ أواخر عام 2012، واليوم، وضمن برنامج دعم تواصل أمريكا تقديم الدعم إلى 80 من هذه الجماعات، وقد كفل الدعم الأمريكي نوع وكمية الدعم المقدمة وطبيعة المجموعات التي يقدم لها الدعم، في الواقع، وخلافًا للرواية الشائعة، فإن المقاتلين في هذه المجموعات المختارة لا يقومون بتسليم الأسلحة الأمريكية لمجموعات متطرفة، مع استثناءات قليلة جدًّا، كما أنها ليست بصدد الانضمام إلى جماعات متطرفة أيضًا، وكان تركيز جهود وكالة المخابرات المركزية لتزويد الجماعات المقاومة قذائف تاو الأمريكية الصنع  BGM-71 TOW المضادة للدبابات والصواريخ الموجهة، والتي ضمنت للمقاومة المعتدلة بقاءها لاعبًا أساسيًّا في الصراع حتى الآن، وفقًا للمعلومات المتاحة للجمهور فقد تم إرسال ما لا يقل عن 1073 صاروخ تاو إلى سوريا تم استخدامها في القتال، 12 منها فقط قد تغيرت وجهتها، واستخدمت من قِبل جماعات غير مختارة - لتصل إلى معدل انتشار منخفض في أيدي جماعات غير مرغوب فيهم بنسبة 1.1% من مجموعها".

ويضيف: "يبدو أن ترامب يفضل مكافحة أعراض الأزمة -أي الإرهاب- مع تعزيز السبب الرئيسي لها: ديكتاتورية الأسد ورفضه للتفاوض، على الرغم من  أن المعارضة السورية المعتدلة ليست كاملة المواصفات، لكن سحب دعم الولايات المتحدة لها سيؤدي إلى تقويض مصالح الولايات المتحدة في سوريا".

ويقول الكاتب: "مخاطر سياسة ترامب هي أكبر من ذلك بكثير، فإذا ما تبع ترامب هكذا نهج، فإنه يخاطر بتفاقم ستة من التهديدات الرئيسية للأمن الداخلي للولايات المتحدة والأمن الدولي وهي: 

1. تمكين القاعدة وروايتها: لقد نصب فرع تنظيم القاعدة في سوريا نفسه تمامًا لجني الفوائد المترتبة على انخفاض دعم الولايات المتحدة للمقاومة المعتدلة، فجبهة فتح الشام، والمجموعة المعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة أمضت أكثر  من أربع سنوات للزج بنفسها في الثورة السورية وتقديم نفسها إلى جماعات المعارضة والمدنيين كشريكٍ وحامٍ لحركتهم الوطنية، وقد ضمنت مثل هذه الجهود أن قوتها ستزداد بشكل ملحوظ، في حين أن الجماعات الأكثر اعتدالًا تعاني من انخفاض في الدعم، وبعبارةٍ أخرى، الوصف الخاطئ للتيار الرئيسي للمعارضة كما يوصف عالميًّا "بالمتطرف" اليوم سوف يؤدي إلى خلق تهديد أكبر بكثير من الخطر الذي كان يفرضه "تنظيم الدولة" في عام 2014.

ولقد أكدت جبهة فتح الشام منذ ظهورها عام 2012 في سوريا في يناير للسوريين وللمسلمين في أيّ مكان آخر في العالم أن الولايات المتحدة لن تتحول بشكل حاسم ضد الأسد، وأن المسلمين السنة في سوريا هم سيكونون ضحية لمؤامرة دولية لإخضاعهم لحكم الأقلية الظالمة، وللأسف، فقد عززت العديد من التطورات في سوريا هذه الرواية في أعين كثير من "السوريين"؛ لعدم وجود استجابة عقابية لهجوم بغاز السارين في أغسطس 2013، كما اكتفت الولايات المتحدة بمراقبة  تدخل روسيا لإنقاذ الأسد من هزيمة محتملة في أواخر عام 2015، وكل جريمة حرب صارخة ارتكبها الأسد ومؤيدوه، قبل ومنذ هذه الأحداث، دفعت السوريين نحو الاعتقاد بأن واشنطن غير مبالية بمعاناتهم، وأدى ذلك أكثر من أيّ وقت مضى بأعضاء المعارضة السورية للنظر إلى تنظيم القاعدة كحامٍ أكثر فعالية لحياتهم ومصالحهم من الولايات المتحدة.

2.  تشجيع الحلفاء الإقليميين ليكونوا وحدهم: ومن شأن قرار الولايات المتحدة التبرؤ من المعارضة السورية أن يقوض حلفاءها الأوروبيين ويثير غضب الحلفاء الإقليميين، وقد تم تحديد المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، على وجه الخصوص، أنصارًا للمعارضة المسلحة السورية منذ أيامها الأولى، وهذه الدول حليفة الولايات المتحدة، وهذا أيضًا لا يعني أن هذه الدول كانت دائمًا فعالة.

وليس سرًّا أن الدعم غير المنظم الذي تقدمه هذه الدول للجماعات المسلحة في سوريا في عام 2011 و2012 لعب دورًا في فشل هيئة الرقابة المالية الأمريكية في دمجها بمنظمة واحدة موحدة، قد تستشعر دول المنطقة أيضًا بضرورة كسر المحرمات للولايات المتحدة في إرسال أسلحة مضادة للطائرات مثل منظومات الدفاع الجوي إلى سوريا، وقد بدأ هذا التدفق غير المشروع للأسلحة المضادة للطائرات بالفعل بالتدفق؛ ردًّا على تصورات أمريكية غير كافية لمنع الاعتداءات الوحشية على المناطق الشرقية المُحَاصَرة في حلب. 

3. منح تنظيم الدولة فرصة أخرى: على الرغم من أن التحالف بين الولايات المتحدة وروسيا من المرجح أن يزيد من الخطر على مكتسبات تنظيم الدولة الإقليمية في سوريا، على الأقل في المدى القصير، فمثل هذه الشراكة ستكون بمثابة نعمة لا تُقدر بثمن على المدى الطويل للدعاية للتنظيم، ما سيعطيه المزيد من القبول الشعبي، وروسيا  لتبرير قصف وسحق المعارضة السورية.

والاستياء السني الحاصل من النقمة على القيادة العراقية سيزيد بوجود التحالف بين أمريكا وروسيا؛ حيث إن هذا التحالف لن يميز بوحشيته بين نقطة مدنية وغيرها، بالإضافة إلى مخاطر دعوات تنظيم الدولة في حال حصل مثل هذا التحالف لشن هجمات في الغرب خاصة في الولايات المتحدة.

4. تعزيز قوة إيران وحزب الله كمعارض قوي للاتفاق النووي الإيراني، فمن المستغرب أن يقترح  ترامب سياسات من أجل سوريا من شأنها أن تنقذ إيران من هزيمة تعيقها  جغرافيًّا وسياسيًّا وتعزز نفوذها الإقليمي، ففي  السنوات السابقة للربيع العربي، مثلت سوريا صلة وصل  لتماسك المناطق من إيران إلى بغداد فدمشق إلى بيروت، وكان الأسد أهم حليف عربي لإيران.

فمن شأن هزيمة الأسد في سوريا أن تسهم بتفكيك الإمبراطورية الإيرانية  الإقليمية، وبخسارة سوريا سوف يترك فجوة في قلبها، ومن شأن ذلك أيضًا أن يشكل تهديدًا خطيرًا لميليشيا حزب الله، المنظمة الإرهابية الوحيدة في العالم التي هي الممثل شبه العسكري المعترف بها في دولة مليئة بالقوات المسلحة.

5. زيادة قوة ونفوذ روسيا على حساب الولايات المتحدة.

6. تفاقم أزمة اللاجئين: ومن شأن الجمع بين كل أو بعض السيناريوهات المذكورة أعلاه إنتاج الديناميات التي وبدون شك ستزيد من تفاقم أزمة اللاجئين في سوريا، وترك ما لا يقل عن 5 ملايين من السوريين بشكل دائم خارج حدود بلادهم، فمع بقاء الأسد في السلطة، وله العديد من الداعمين والمدافعين عنه، فإن ربع سكان سوريا لن يعودوا إلى ديارهم مجددًا، وهذا يعني أن الدول المجاورة ستترك لتحمل التكاليف التي لا يمكن تحملها من سكن وأعباء أخرى، في حين أن العديد من اللاجئين سوف تعاود محاولاتها اليائسة للوصول إلى أوروبا.