ضوابط مهمة في شراء ملابس العيد - للشيخ هيثم الحمري

بسم الله الرحمن الرحيم

 (ضوابط مهمة في شراء ملابس العيد)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:-

فإن الله -عز وجل- قد جعل أيام العيد أيام فرحة وسرور، وغبطة وحبور، للكبار والصغار والنساء والرجال من المسلمين، وقد اتفق الفقهاء على أنه من المستحب أن يتطيب الإنسان، ويتزين بلبس الملابس الجميلة والثياب الجديدة؛ لما في ذلك من إظهار الفرحة والبهجة في العيد، ولما في ذلك من إظهار نعمه الله تعالى على عبده؛ فإنه عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وإن من الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس ترك إظهار الزينة والتطيب في الأعياد زهدا وتقشفا، قال الإمام مالك -رحمه الله-: (سمعتُ أهل العلم يستحبّون الطيب والزينة في كلّ عيد) [ الأوسط لابن المنذر: (4/265)].

ولا بد لك أخي المسلم قبل أن تلبس لباسا أو تشتريه أن تتأكد من أن هذا اللباس موافق للضوابط الشرعية، وليس من الملابس المحرمة التي جاء الشرع بالنهي عنها والتحذير من لبسها. ولعلنا بإذن الله عز وجل نشير في هذا المقال إلى شيء منها؛ نصحا للأمة وتحذيرا لها:

اعلم أخي المبارك -وفقك الله- أن من الملابس المخلة بالآداب والتي لا يجوز في الشرع لبسها ما يلي:

أولا: الملابس التي عليها الصليب:

أخي المسلم لا يجوز لك لبس الملابس التي فيها صليب، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه [البخاري: 5952]؛ وذلك لأن الصليب شعار الكفار من النصارى وأشياعهم، فكيف يرضى المسلم الموحد بأن يحمل شعار أعداء الله على صدره، ويضعه عند قلبه، ويمشي فيه بين الناس؟!

أرأيت أخي الكريم لو أن أحدا رفع شعار عدو لك، محارب لك، وتفاخر به بين الناس، ماذا يكون موقفك منه؟!

فكيف تجرؤ أنت - أيها المسلم - أن تمشي بين الناس وأنت تحمل شعار أعداء الله،  والله -عز وجل- يراك من فوق سبع سموات؟!

ثانيا: الملابس التي عليها صور:

يحرم على الرجل والمرأة لبس الملابس التي عليها تصاوير كصور الناس، أو الحيوانات، وكل ما كان من ذوات الأرواح، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ثم قال : (إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة).[البخاري: 2105].

ويعظم الإثم ويكبر الجرم إذا كانت هذه الصور لأحد الفاسقين أو الكافرين، أمثال صور الملحدين والمغنيين ولاعبي كرة القدم، ومن شاكلهم.

ثالثا: لبس ما يشف العورة أو يصفها  أو يثير الفتنة:

لا يجوز للمسلم لبس ما يشف العورة أو يصفها، سواء في ذلك الرجل والمرأة ولو في بيتها – عند غير زوجها – لأن هذا مخالف للحكمة التي أنزل الله -عز وجل- من أجلها اللباس حيث قال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" [الأعراف: 26]، وهو بالإضافة إلى ذلك مخل بالمروءة والستر والعفاف، ومضاد للعادات والأعراف؛ ومن ذلك الملابس القصيرة التي تكشف الساقين، أو الفخذين ، وخاصة من النساء والصبيان الصغار، ومن ذلك أيضا الملابس الضيقة التي تصف وتحجم الأعضاء، ومن ذلك لبس السراويل للنساء، ولبس العباءات الضيقة التي تحجم الأعضاء.

ثالثا: لباس الشهرة:

المقصود بلباس الشهرة: اللباس الذي يخالف ما تعاهد عليه الناس وتعارفوا عليه من اللباس بحيث يكون غريبا عليهم، أو شديد الفخامة وباهظ السعر يلفت الأنظار، فلبس مثل هذه الثياب غير جائز؛ لما فيه من الشهرة أولا، ولكي لا يكون سببا لحمل الناس على غيبته ثانيا، ولما جاء فيه من الوعيد الشديد ثالثا، فقد قال -النبي صلى الله عليه وسلم-: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذله يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا). [أبو داود : 4029، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4029)]، ومن ذلك ما يلبسه بعض الناس من الثياب المزخرفة والمنقشة والمعصفرة التي تلفت نظر الناس إليها.

رابعا: لبس ما تحت الكعبين (الإسبال):

المقصود بالإسبال هنا هو أن يلبس الإنسان ما نزل عن الكعبين من سراويل أو ثياب أو غيرها، وهذا الفعل قد حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوعد صاحبه بالنار، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار).[البخاري: 5787].

فتنبه أخي المسلم أن تعرض نفسك للعذاب، ولغضب رب العباد، من أجل ثوب تطيله تحت كعبيك.

والعجب كل العجب ممن يعترض على هذه الأوامر من ربه ونبيه، بينما هو يلتزم بما يفرضه عليه مديره في العمل من لباس، أو ما يلزمه قائده في معسكره من زي، دون أدنى اعتراض أو حتى سؤال، وهذا من تزيين الشيطان والله المستعان.

خامسا: لبس الحرير والذهب للرجال:

 يحرم لبس الذهب والحرير على الرجال، لما جاء في حديث علي –رضي الله عنه- قال: (أخذ النبي –صلى الله عليه وسلم- حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبا فجعله في شماله، ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي) [أبو داود : 4057، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4057)].

سادسا: تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال:

عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) [البخاري: 5885]، واللعن الوارد في الحديث يدل على أن هذا الفعل من الكبائر؛ لأن كلا من المتشبه والمتشبهة يخرجان عن الفطرة والطبيعة التي فطرا عليها، فهو فعل قبيح يخالف الشرع والعقل، والفطرة والعرف، والحشمة والمروءة.

ومن ذلك ما ذكرناه من لبس الرجال للذهب والحرير ونحوه، ومنه أيضا لبس المرأة للبنطال والقميص ونحوها من ملابس الرجال، فهذه الأفعال كلها محرمة وصاحبها ملعون.

سابعا: زي أهل الشرك:

لا يجوز لك أخي المسلم لبس ملابس المشركين والتشبه بهم؛ لما جاء عن ابن عمر –رضي الله عنهما- مرفوعا: (من تشبه بقوم فهو منهم) [أخرجه أبو داود: 4031، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح (4031)].

ثامنا: لبس الأسورة والخيوط والحلق للرجال:

ومن يلبس مثل هذه الأشياء لا يخلو من أحد أمرين:

الأول: أن يلبسها معتقدا أنها تجلب نفعا، أو تدفع ضرا، أو تقيه عينا وحسداً؛ فهذا شرك بالله -عز وجل-، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من تعلق تميمة فقد أشرك) [أخرجه احمد :  17422 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (492)].

الثاني: أن يلبسها ولا يعتقد فيها شيئا من ذلك، فهذا ليس بشرك، ولكنه عمل غير جائز؛ لأن صاحبه لا يخلو من التشبه بالكفار والمشركين من أصحاب الحروز والتمائم أو غيرهم من اللاعبين والفنانين الفسقة الذين لا يجوز التشبه بهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم -يقول: (من تشبه بقوم فهو منهم) [أخرجه أبو داود: 4031، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح (4031)]، أو تشبه بالنساء في لبسهن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لعن  المتشبهين من الرجال بالنساء [البخاري:5885].

تاسعا: بعض الملابس التي تختص بالمرأة:

أختي المسلمة أنتِ جوهرة ثمينة، ولؤلؤة نفيسة، فاحرصي على أن لا تلبسي إلا لباسا محتشما، ساترا لجميع بدنك، وإياك ثم إياك مما يبرز المحاسن ويظهر المفاتن من ثياب التبرج والسفور التي عجت بها الأسواق اليوم كالملابس الشفافة، أو الرقيقة، أو القصيرة، فلا يجوز لك شراء هذه الملابس أو ارتدائها، ولا يجوز لك الخروج من بيتك إلا وأنتِ لابسة للعباءة الشرعية، واحذري من العباءات الضيقة أو العباءات الملونة والمزخرفة، فكل هذا مما يحرم لبسه، واحذري أيضا من لبس الأحذية ذوات الكعب العالي، واعلمي أن هذا من التبرج والسفور الذي نهانا عنه العزيز الغفور بل هو من مذهب أهل الجاهلية الأولى الذي جاء الإسلام بهدمه، حيث قال تعالى: "وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" [الأحزاب:33]. 

أخيرا أخي المسلم قبل أن تفصل ثوباً أو تشتري لباساً للعيد؛ سواء كان لنفسك أو لأبنائك وأهلك، فانظر هل هذا اللباس موافق للضوابط الشرعية؟ أم أن فيه محظورا شرعيا؟ فإذا رأيت أن فيه محظورا شرعيا فإياك ثم إياك أن تفكر في اقتناءه أو تقدم على شرائه ففيما أحل الله لك من اللباس غنيةً وكفاية. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                         كتبه: أبو عبد العزيز هيثم بن قاسم الحمري

                                              تاريخ: 29 / رمضان / 1430 هـ 

                                                 الموافق: 19 / 9 / 2009م