قائد اللواء 76 العميد ابراهيم الغبن و رئيس فرع الأمن العسكري العميد نوفل الحسين أشرفا على نسف المنازل بالمتفجرات في تفتناز من قبيل العقاب الجماعي

قائد اللواء 76 العميد ابراهيم الغبن و رئيس فرع الأمن العسكري العميد نوفل الحسين أشرفا على نسف المنازل بالمتفجرات من قبيل العقاب الجماعي

دمشق ، إدلب ـ الحقيقة ( خاص من : مازن ابراهيم): ما جرى في “بابا عمرو” ، وأيا تكن التجاوزات ، وحتى الجرائم التي ارتكبت من قبل أجهزة السلطة ، يمكن وضعه في سياق “منطق الحرب”. فتلك البقعة ، وبغض النظر عن هلوسات العميل الإسرائيلي المعتوه والمزمن وليد جنبلاط ، لم تكن ” ستالين غراد” ، ولن تكون. في ” ستالين غراد” كان هناك الشعب وآلاف الأنصار من الشيوعيين والجيش الأحمر يقاتلون دفاعا عن بلادهم في وجه المحتل النازي. أما في “بابا عمرو” ، فاحتشد أكثر من ألفي مسلح من أحقر وأسقط الكائنات البشرية أخلاقا… الكائنات التي لا ترى في البشر الآخرين إلا أبناء طوائف ومذاهب معادية يجب ذبحهم بالسكاكين لمجرد أنهم من غير “طوائفنا ومذاهبنا”. جاؤوا من كل مزابل الفكر الوهابي ومكبات نفاياته، ومن مختلف أوكار الحلف الأطلسي وعملائه من المنظمات التكفيرية، بدءا بالعراق وانتهاء بليبيا ، مرورا بالجزائر وأفغانستان. وبالتعاون مع المخابرات الفرنسية والسعودية والقطرية والبريطانية والهولندية ، أقاموا غرفة عمليات و “رأس جسر” للانطلاق والتوسع على غرار بقعة الزيت. تحصنوا في المنازل والأقبية والأنفاق ، واتخذوا من المدنيين دروعا بشرية في العديد من الحالات . وما رواه سيّافوهم وجلادوهم لـ”دير شبيغل” ، وما حكته أشرطتهم المسجلة من قبلهم عن صلب الجنود إلى الجدران وتصفيتهم أو ذبحهم كما تذبح النعاج ، ليس سوى غيض من فيض.

  في “باباعمرو” كان هناك معركة حقيقية استغرقت أسابيع . جرت المواجهات خلالها من شارع إلى شارع ، ومن زاروب إلى آخر، ومن شقة إلى أخرى، وفي أحيان كثيرة من غرفة إلى أخرى ومن مصرف صحي إلى آخر. ولذلك كان من “الطبيعي” أن يحصل ذلك الدمار الذي شاهدناه . فالحروب لا تجري هنا بالعصي أو بالسيوف ، بل بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح وأدوات القتل والتخريب ، وإن كان المسلحون يحملون أدمغة غزاة القبائل القادمين من العصور الوسطى والأزمنة الغابرة. ويكفي أن نشير إلى أن أحد قادة معارك “الفلوجة” العراقية ، خالد غازي زغيب ، كان هو القائد الفعلي لعصابات “الفاروق” في حمص و ” بابا عمرو” مع شقيقه إياد!

  أما في تفتناز ، فثمة ألف سؤال وسؤال حول حقيقة ما جرى : كل المعلومات المتوفرة تشير إلى مجزرة سلطوية جرى تنفيذها بعقل بارد ودم أكثر برودة ، وعن سابق إصرار وتصميم دون وجود أي “مبرر” عسكري أو أمني.

  كانت تفتناز خارج أيدي السلطة منذ بضعة أشهر ، ولم يكن يتواجد فيها أي مظهر من مظاهر السلطة أو الدولة ، رغم أن قاعدة” أفيس” الجوية للحوامات لا تبعد عنها سوى أقل من 2 كم ، علما بأن القسم الأكبر من طائراتها يستخدم للخدمات الزراعية (رش كروم الزيتون في المنطقة بالمبيدات الحشرية). كان يسيطر على البلدة التي تعد حوالي عشرين ألفا وحوالي أربعة آلاف منزل، بضع مئات من مسلحي ما يسمى “الجيش الحر” ، المكون في معظمه في منطقة إدلب و”جبل الزاوية” من المسلحين الوهابيين و”الأخوان المسلمين”  وبقايا ” الطليعة المقاتلة” ، بالإضافة لـ”حزب التحرير الإسلامي” . فتفتناز تعتبر إحدى القلاع التاريخية للأخوان المسلمين ، ويكاد لا يوجد فيها بيت ـ أو على الأقل عائلة ـ إلا وكان منها معتقل على ذمة الأخوان المسلمين أو مفقود. وبعد الاحتلال الأميركي للعراق ، أصبحت تفتناز أحد الخزانات البشرية لتوريد المسلحين إلى صفوف “القاعدة” وأخواتها في الرمادي والأنبار. ومن عاد منهم سالما غانما ، إنما عاد ليتابع كفاحه ضد ” النظام العلوي الكافر” في سوريا ، الذي كان يسهل لهم العبور إلى العراق ويمدهم بالسلاح! إنها حكاية “بضاعتنا التي ردت إلينا” تتكرر هنا أيضا ، كما تكررت في أكثر من مكان في سوريا ، من ريف حمص (لا سيما “باباعمرو”) إلى ريف حماة ( مثل ” طيبة الإمام”) إلى الرقة ودير الزور وباقي بلدات محافظة إدلب نفسها.

صباح 3 نيسان الجاري، بدأ اللواء 76 في الفرقة  المدرعة السابعة ، التي سحبت من الخطوط الأمامية في “زاكية” جنوب دمشق الشتاء الماضي ونقلت إلى حدود “لواء اسكندرونة” المحتل،هجومه على تفتناز لتحريرها من قبضة المسلحين. كانت مداخل البلدة زرعت كلها بالعبوات الناسفة الضخمة التي أدى تفجيرها إلى تدمير حوالي سبع عربات مدرعة ، قيل إن من بينها دبابة أو أكثر من طراز “تي 72” التي لا تدمرها سوى عبوة تزن أكثر من ربع طن من المتفجرات! إلا أن المسلحين ، وكما فعلوا في أغلب المناطق ، هربوا من البلدة كما الجرذان والفئران وتركوا الأهالي لمصيرهم ، وهم الذين ادعوا دائما أنهم تسلحوا للدفاع عنهم، مجرد أن اقترب الجيش من البلدة!

جمع قائد اللواء ، العميد ابراهيم الغبن، حوالي ثلاثين شابا من البلدة في الساحة العامة ، وأعدم أحدهم (من آل الخطيب) أمام أنظارهم ، قبل أن يهدد بإعدام الشباب جميعا إذا لم يقم الأهالي بتسليم عناصر “الجيش الحر”! كان هؤلاء هربوا من البلدة إلى الكروم والبراري ، ومعهم عشرات المسلحين ممن حاولوا الاستيلاء على مطار ” تفتناز” وفشلوا في ذلك.

لم تكن هناك أية مقاومة تذكر في البلدة. وباستثناء أربعة أو خمسة مسلحين قتلوا خلال اقتحام البلدة ، وشوهدت جثثهم في مراسم الدفن الجماعي ، كان جميع من سقط في المذبحة من المدنيين الأبرياء . عدد كبير منهم من العجائز الذين واللواتي تجاوزت أعمارهم وأعمارهن السبعين والثمانين عاما، وبعضهم تجاوز عمره المئة عام!

كان إطلاق النار عشوائيا ، وبدا كنوع من الانتقام لعدم تمكن عصابات الأجهزة الأمنية ، المشغولة بالتهريب (بما فيه تهريب السلاح!) والنهب والسلب ومطاردة المعارضين السلميين ، من اعتقال أي مسلح! ليس معلوما بعد على وجه اليقين عدد الضحايا المدنيين الذين جرت تصفيتهم خلال يومين من الحملة الوحشية على البلدة ، وإن يكن الرقم تجاوز بالتأكيد المئة ضحية . من عائلة غزال وحدها سقط 65 شهيدا ( خمس وستون، ولا يوجد خطأ مطبعي هنا!). ومن آل معسوس قتل عشرة على الأقل بدم بارد ، جميعهم تقريبا من المسنين ، وعلى رأسهم الحاج عارف ، الذي بلغ من العمر أكثر من مئة عام، وشاب مريض عقليا!!؟

مخاتير البلدة الخمسة جرت تصفيتهم ، رغم أن جميعهم تجاوزوا السبعين من أعمارهم ، وبالكاد يستطيع أحدهم حمل عكازه ، كيلا تسارع السلطة وإعلامها للقول إنهم كانوا من المسلحين! الحاج صالح غزال عمره 80 عاما ، قتل مع زوجته. لماذا قتل المخاتير الخمسة !؟

لم يكتف القتلة بذلك ، بل قلدوا جيرانهم الإسرائيليين تماما. ومن شابه جاره ، حتى وإن كان إسرائيليا ، ما ظلم! أقدمت وحدات الهندسة في اللواء 76 على تفخيخ أكثر من مئة وسبعين منزلا قبل نسفها وتدميرها تحت إشراف قائد اللواء ، العميد ابراهيم الغبن ، و العميد نوفل الحسين ، رئيس فرع الأمن العسكري في إدلب. كانت التهمة الوحيدة الموجهة لأصحاب هذه المنازل أنهم من مؤيدي “الجيش الحر” أو من عناصره . كان ثمة مخبرون دلالون من بعثيي البلدة يتقدمون الوحدات العسكرية ويشيرون بأصابعهم إلى هذه المنازل “المشبوهة”! وكان هذا كافيا لتفخيخها ونسفها. كل شيء كان شبيها بعمل وحدات “المستعربين” في الجيش الإسرائيلي ـ التلمودي في الضفة الغربية وقطاع غزة! وكان الجيش يتصرف كجيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين حين يمارس العقاب الجماعي بحق أسرة أحد الفدائيين أو أبناء بلدة معينة ، ولسنا هنا في معرض المقارنة بين الفدائي الفلسطيني وبين حثالات “الجيش الحر” الحقيرة التي تستمد فكرها الحقير من مزبلة الإسلام ـ التلمودي الوهابي ، إسلام الذبح والقتل “على سنة الله ورسوله”!

حتى بيت الصحفي موسى العمر من قناة “الحوار” جرى تفخيخه ونسفه بعد نهبه وسلب محتوياته! ووحدها مصادفة القدر ، أن والده متوفى وأمه في قطر، ما حالت دون أن يكون أبواه تحت الأنقاض! لماذا ينسف منزل موسى العمر ، ولماذا ينهب ويسلب؟ حتى وإن كان مسلحا في عصابة وليس صحفيا معارضا في قناة معارضة ، أي منطق يجيز تفجير منزله أو منزل أهله سوى “منطق لواء غولاني”!؟

أكثر من ذلك : حتى منزل العميد المتقاعد عارف غزال ، أحد أشهر ضباط إدارة المخابرات العامة ، الذي خدم السلطة ثلاثين عاما، قتلا وجلدا وتعذيبا ، على غرار زملائه المجرمين الآخرين في هذا السلك القذر، لم ينج من التفجير! ثلاثة طوابق تداعت أنقاضا وركاما خلال ثوان بمجرد كبسة زر من أحد ضباط الهندسة! أوهكذا يكافىء النظام حتى أحد ضباطه الجلادين الذين خدموه ثلاثة عقود!؟

ما حصل في تفتناز مجزرة تترية مع سبق الأصرار والترصد ، ولكن بـ”نكهة إسرائيلية” حادة ولاذعة جدا أين منها طعم العلقم!

لم يفعل هذا الأحمق المسمى بشار الأسد في تفتناز سوى أنه أضاف عشرين ألفا آخرين ، مع ثلاثة أجيال على الأقل من أبنائهم وأحفادهم ، إلى قائمة الحاقدين التي تتسع يوما بعد يوم وساعة بعد أخرى . إنها حكمة البغل الذي حول جيش يوسف العظمة إلى ألوية “غولانية” سورية ، وهذه وحدها جريمة يطاله قانون العقوبات العسكري جرّاءها بثلاثة أحكام إعدام على الأقل!!

أضف تعليق