النفط الأصفر: رؤية 2030.. مستقبل الطاقة الشمسية في السعودية

النفط الأصفر: رؤية 2030.. مستقبل الطاقة الشمسية في السعودية

A Saudi man walks on a street past a field of solar panels at the King Abdulaziz city of Sciences and Technology, Al-Oyeynah Research Station in this May 21, 2012 file photo. Saudi Arabia's ambitious plans to become a world leader in installed solar power appear to have run into the sand amid disagreements over their scale, ownership and technology. The world's largest crude exporter announced three years ago it wanted to install 41 gigawatts of solar electricity by 2032 to help meet surging local demand for energy as the Saudi population increases rapidly and the economy grows strongly. REUTERS/Fahad Shadeed/Files

أصبحت الطاقة الشمسية جزءاً من خطط التنويع الاقتصادي التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية هذا العام من خلال “رؤية 2030”. ويبدو أن ثمة أسباباً عديدة دفعت المملكة إلى التركيز على هذا القطاع غير النفطي، ومنها ارتفاع الاستهلاك المحلي للنفط، والحاجة إلى توفير فرص عمل كثيرة للشباب السعودي، فضلاً عن انخفاض تكاليف إنتاج الألواح الشمسية. كما اتخذت السلطات السعودية عدة إجراءات لإعادة تطوير وهيكلة المؤسسات المعنية بصناعة الطاقة الشمسية التي عانت، في السابق التشرذم المؤسسي، حيث تم توحيد المهام الإدارية لهذا المجال في وزارة موحدة وهي الطاقة والصناعة والثروة المعدنية.

وفي هذا الإطار، يأتي هذا التقرير المُعنون بـ: “رؤية 2030 ومولد الطاقة الشمسية السعودية”، وأعده “ماكيو يامادا” Makio Yamada، وهو باحث زائر بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة. ويتطرق التقرير إلى أهمية مصادر الطاقة الشمسية في السنوات الأخيرة، مع تسليط الضوء على الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في هذا المجال في ضوء “رؤية 2030″، ثم ينتهي بذكر العقبات التي قد تحول دون تطوير هذه الصناعة في المملكة.

هيكلة حكومية في إطار رؤية 2030

أعلنت المملكة العربية السعودية، في أواخر أبريل من العام الحالي، عن رؤية 2030، والتي تمثل الخطة الاقتصادية الجديدة للمملكة، وأعقبها تغييرات وزارية؛ كان من أبرز ملامحها إنشاء وزارة متعددة المهام وهي وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية برئاسة خالد الفالح، الذي كان يشغل منصب وزير الصحة والرئيس التنفيذي السابق لشركة أرامكو السعودية.

وينظر التقرير إلى هذه التعديلات باعتبارها أكبر إعادة هيكلة حكومية سعودية في المجال الاقتصادي منذ عام 1975؛ وهو العام الذي أنشأ فيه الملك خالد بن عبدالعزيز وزارة الصناعة والكهرباء التي استوعبت حينها الوظائف الإدارية للسياسة الصناعية التي كانت من اختصاص وزارة النفط والثروة المعدنية، إضافة إلى وظائف سياسة الكهرباء التي كانت من اختصاص وزارة التجارة.

وبعد نحو أربعة عقود، جاءت إعادة الهيكلة الأخيرة لتدل على نية الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إعطاء مزيد من الاهتمام إلى العملاق القادم (غير النفطي)، وهو الطاقة الشمسية التي يسميها السعوديون “النفط الأصفر”.

الطاقة الشمسية والتنويع الاقتصادي

عالمياً، شقت الطاقة المتجددة طريقها بوتيرة متسارعة في سوق الطاقة خلال السنوات القليلة الماضية. وقد بلغت الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة المتجددة عام 2015 أكثر من ضعف المبلغ الذي اُنفق على المحطات الجديدة التي تعمل بالفحم والغاز. كما يشغل هذا القطاع حالياً حوالي 8.1 مليون عامل على مستوى العالم؛ منهم 2.8 مليون منخرطون في إنتاج وحدات الطاقة الشمسية. وفي هذا الصدد، يشير التقرير إلى توقعات وكالة الطاقة الدولية بأن تمثل الطاقة الشمسية أكثر من 5% من سعة إنتاج الطاقة العالمي بحلول عام 2020.

وفي المملكة العربية السعودية، تركز رؤية 2030 على الطاقة المتجددة باعتبارها واحدة من ركائز التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط، ووضعت هدفاً أساسياً لها وهو إنتاج 9.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة.

كما أن برنامج التحول الوطني 2020، الذي تم الإعلان عنه في يونيو الماضي، وضع هدفاً له وهو إنتاج 3.45 جيجاوات أو 4% من إجمالي استهلاك الطاقة بحلول عام 2020. ويهدف البرنامج أيضاً إلى توظيف نحو 7.774 عامل في قطاعات الطاقة المتجددة والنووية خلال أربع سنوات.

ثورة هائلة في الطاقة الشمسية بدول الخليج

تعتبر شبه الجزيرة العربية واحدة من أكثر الأماكن الغنية بأشعة الشمس في العالم، ومع ذلك يرى الباحث أنه لم يتم استغلال الطاقة الشمسية بشكل جيد كمصدر رئيسي للطاقة في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. فقد بلغت سعة الطاقة الشمسية المثبتة في المملكة نهاية عام 2015 حوالي 23 ميجاوات، في حين أن الامارات لديها أكبر سعة للطاقة الشمسية بين دول الخليج وتبلغ 128 ميجاوات. ومن وجهة نظر الكاتب، تعد هذه الأرقام ضئيلة بشكل ملحوظ بالنظر إلى كمية أشعة الشمس الوفيرة في المنطقة.

وعلى الرغم من ذلك، تمر دول مجلس التعاون الخليجي حالياً بثورة هائلة في مجال الطاقة الشمسية، ويعد أكبر مشروع للطاقة الشمسية قيد التنفيذ فيها هو المرحلة الثالثة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، وذلك بسعة 800 ميجاوات، وتسعى هيئة كهرباء ومياه دبي، التي تشرف على تطوير المجمع، إلى تثبيت قدرة 5 جيجاوات بحلول عام 2030.

وفي السعودية، يعود بداية الاهتمام باستخدام الطاقة الشمسية إلى إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في عام 2010، وكان دافع الحكومة وراء ذلك هو رغبتها في الحفاظ على قدرتها على تصدير النفط في ظل ارتفاع الاستهلاك المحلي. وتطور الأمر بعد ذلك إلى أن أصبحت عملية التنويع الاقتصادي التي تسعى إليها المملكة مسألة مُلحة، لاسيما مع انخفاض أسعار النفط، والتحولات الديموغرافية في المملكة؛ فغالبية السكان وهم حوالي 21.1 مليون نسمة من المواطنين الشباب الذين وُلدوا بعد الطفرة النفطية الأولى. وكان القطاع العام قادراً على استيعاب الغالبية العظمى من العمال السعوديين خلال الفترات الماضية، أما حالياً فهو متضخم ولديه قدرة قليلة على توظيف المزيد منهم، بما يعني ارتفاع البطالة بين الشباب عن معدلها الحالي الذي يزيد على 40%.

لذا دفعت هذه “القنبلة الموقوتة” الحكومة السعودية نحو تعزيز الصناعات الجديدة، لاسيما كثافة العمالة التي يمكن أن توفر أعداداً كبيرة من فرص العمل.

تطوير الإطار المؤسسي للطاقة الشمسية بالمملكة

يشير الكاتب إلى أن الإطار المؤسسي لصناعة الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية عانى بعض الإشكاليات، ما دفع القيادة الحالية إلى اتخاذ عدة إجراءات، حيث حل الملك سلمان المجلس الأعلى لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، إلى جانب غيرها من المؤسسات التي كانت تحت القيادة المباشرة للملك الراحل مثل المجلس الاقتصادي الأعلى الذي تم استبداله بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان.

وفي ظل القيادة الجديدة، تم الإعلان، في يوليو 2015، عن أول محطة للطاقة الشمسية في البلاد ستُقام في منطقة الأفلاج بالقرب من العاصمة الرياض، وذلك من خلال التعاون بين ثلاث مؤسسات هي: الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (تقنية)، والشركة السعودية للكهرباء، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. كما تم الإعلان، أواخر العام المنقضي، عن إنشاء محطتين من المشروع المتكامل لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية والدورة المركبة في مدينة ضباء شمال غرب البلاد، ومدينة وعد الشمال في شمال المملكة.

وحسب التقرير، لم تُحرز مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة أي تقدم يُذكر في صناعة الطاقة الشمسية بالمملكة في الماضي، لأن مهمتها كانت غير واضحة، وانتشرت الوظائف الإدارية المتعلقة بالصناعة عبر وزارات متعددة بدون تنسيق فعَّال. إذ إنه بحكم طبيعتها، تمتد صناعة الطاقة الشمسية بين ثلاثة قطاعات إدارية، وهي الطاقة والصناعة والكهرباء.

وثمة مجموعة من الخطوات اتخذتها الحكومة السعودية على صعيد هذه القطاعات الثلاثة. فعلى سبيل المثال في قطاع الكهرباء، الذي يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من صناعة الطاقة الشمسية، سعت الحكومة من خلال محطات الطاقة الشمسية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأيضاً بيع الكهرباء المولدة في الأسواق. لذا كان من المتوقع أن تلعب الشركة السعودية للكهرباء دوراً رئيسياً في صناعة الطاقة الشمسية بالمملكة، وهو ما حدث عندما أعلنت الشركة، في يونيو 2016 عقب إعادة الهيكلة، أنها تسعى إلى تلقي العروض من المتعهدين الدوليين لمحطتين أخريين للطاقة الشمسية بسعة 50 ميجاوات في الجوف ورفحاء بشمال البلاد.

ويذهب الباحث إلى القول إنه على الرغم من أن الغموض الإداري والتشرذم ساهم في تعثر الإطلاق الكامل لصناعة الطاقة الشمسية السعودية، فإن إعادة الهيكلة الحكومية، التي تمت في مايو الماضي، وضعت الوظائف الإدارية الثلاث في مجال الطاقة والصناعة والكهرباء في ظل وزارة موحدة وهي الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، كما أن الوزير المسؤول عن هذه الوزارة يرأس أيضاً مجلس إدارة كل من مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.

عقبات أمام التطوير

حسب التقرير، ثمة بعض العقبات التي تحول دون إحراز تقدم في مجال الطاقة الشمسية بالمملكة العربية السعودية، منها أن بعض المستثمرين في هذا المجال لديهم مخاوف من إمكانية أن تنتهي صناعة الطاقة الشمسية السعودية، بحيث تصبح حقلاً آخر يهيمن عليه “احتكار القلة”، على حد وصف الكاتب. ومن ثم، فهم يُطالبون الدولة بلعب دور مؤسسي شفاف لضمان الكفاءة في تلك الصناعة.

وتتمثل إحدى العقبات الأخرى في فكرة توطين الوظائف القائمة على نظام الحصص، والتي أدت إلى تراجع في الإنتاج، نظراً لعدم كفاية العمال الفنيين المحليين المؤهلين نتيجة الفجوة الواسعة في المهارات بين التعليم والصناعة. ومن أجل التغلب على هذه المشكلة، وضع برنامج التحول الوطني هدفاً طموحاً يتمثل في زيادة عدد الطلاب في التدريب التقني والمهني من 104.432 إلى 950.000 بحلول عام 2020. والمرجح أن يتم تسليط الضوء خلال السنوات القادمة على تطوير آليات التواصل الفعَّال بين الصناعات الناشئة ومؤسسات تنمية رأس المال البشري، وذلك من أجل تضييق الفجوة في المهارات.

Makio Yamada

إعداد: وفاء ريحان

* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: “رؤية 2030 ومولد الطاقة الشمسية السعودية”، والصادر في يوليو 2016 عن معهد الشرق الأوسط.

المصدر:

Makio Yamada, Vision 2030 and the Birth of Saudi Solar Energy, (Washington: Middle East Institute, July 2016).

مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة