الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } * { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } * { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

والثاني: { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } في الثواب في الآخرة، أي: يعطيكم الثواب في الآخرة أو الخلف في الدنيا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا }.

قرئ بالنصب: { لِلسَّلْمِ } ، وقرئ بالخفض: { لِلسَّلْمِ }.

وقال أهل اللغة: من قرأ بالنصب: { لِلسَّلْمِ } ، حمله على المصالحة والموادعة، ومن قرأ بالخفض: { لِلسَّلْمِ } ، جعل ذلك في الإسلام.

وتأويله - والله أعلم -: أي: إذا خضعوا للصلح وطلبوه منك فاجنح لهم، أي: مل إليهم، ولا يمنعك عن الصلح معهم ما كان منهم من نقض العهد؛ على ما ذكر في قوله: { ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ } ، يقول: لا يمنعك عن الصلح إذا طلبوا ذلك ما كان منهم من النقض ونكث العهود.

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ }.

ولا تخف خيانتهم ونقضهم العهد، فإن الله يطلعك ويكفيك على ذلك.

ومنهم من قال: قوله: { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ } ، أي: إذا خضعوا وتواضعوا للإسلام، فاقبل منهم واخضع لهم؛ كقوله:وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الحجر: 88] أمره بخفض الجناح لهم.

ذكر - هاهنا - أنهم إذا طلبوا الصلح منا يلزمنا أن نعطيهم، وإذا لم يطلبوا منا ذلك لا يحل لنا أن نطلب منهم الصلح، إلا أن نضطر إلى ذلك، وهو ما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال:فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } [محمد: 35]، نهانا أن ندعوهم إلى الصلح ولنا قوة وعدة للقتال معهم، وأما إذا كانوا طلبوا منا ذلك أولا فيجابون إلى ذلك.

ويحتمل ما ذكرنا، أي: لا يمنعك ما كان منهم من نقض العهد.

وقوله: { فَٱجْنَحْ لَهَا } يحتمل ذكره بالتأنيث، أي: للمسالمة والمصالحة.

وقال بعضهم: السلم هو مؤنث؛ كقول القائل:
السلم تأخذ منا ما رضيت به   والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
فإن قيل: ما المعنى في قول من قال بالإسلام بقوله: { فَٱجْنَحْ لَهَا } وهو كان يدعو إلى الإسلام، وهو لا شك أنه كان يقبل منهم الإسلام؟

قيل: يحتمل أن يكون الأمر بالقبول أمراً بترك المؤاخذة بما كان منهم في حال نقض العهد؛ لأن من قولنا: أن ما أصابوا في حال العهد من الجراحات والأخذ يتبعون بها ويؤاخذون إذا أسلموا، وإذا نقضوا العهد ثم أصابوا شيئاً من ذلك ثم أسلموا، لم يؤاخذوا بذلك، فيحتمل أن يقول له: فاجنح لها، ولا تؤاخذهم بما كان منهم في حال نقض العهد.

وقال الحسن: هذا منسوخ، نسخة قوله:قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ... } الآية [التوبة: 29].

وقال بعضهم نسخة قوله:فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ... } الآية [التوبة: 5].

وقال بعضهم: نسخة قوله:فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } [محمد: 35].

والوجه فيه ما ذكرنا: أن الإمام إذا رأى الصلح والموادعة نظراً للمسلمين، أجابهم إلى ذلك وصالحهم، فإذا طلبوا منه الصلح وبالمسلمين قوة القتال والحرب معهم، لم يجبهم إلى ذلك، وما ذكر هؤلاء من نسخة فذلك لا نعرفه، والله أعلم.


PreviousNext
1 2 3 4