طرابلس اللبنانية: سباق الحسم العسكري والمفاوضات

طرابلس اللبنانية: سباق الحسم العسكري والمفاوضات

06 أكتوبر 2014
آلاف سكان حي التبانة مهددون (حسين بيضون)
+ الخط -

يكاد الطرابلسيون يتمنون ألاّ تنتهي عطلة العيد. يُقال لهم إن الأيام التي تلي العيد، ستحمل جديداً على صعيد مواجهة المتشددين الإسلاميين في منطقة باب التبانة، التي تُعد من أفقر مناطق المدينة الشمالية، طرابلس، وأكثر هذه أحياء هذه المدينة اكتظاظاً.

فقد رفع كلام قائد الجيش، جان قهوجي، في مقابلة تلفزيونية، الحذر من حصول معركةٍ عسكريّة في طرابلس، إذ قال إن الجيش يُراقب "مجموعة إرهابية" وفي حال فشل الحلول السياسيّة سيتم اعتماد الحسم العسكري معها.

تُشير المعلومات إلى أن قهوجي قصد مجموعة أسامة منصور وشادي المولوي المتواجدة في أحد أحياء باب التبانة، الملاصق لسوق الخضار، وهي مجموعة متهمة بالانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية، "داعش". وبحسب معلومات مصدرها فعاليات طرابلسيّة، فإن قهوجي ترك الباب مفتوحاً أمام اتصالات تقودها شخصيات سياسيّة طرابلسيّة وأخرى إسلاميّة لإخراج هؤلاء من التبانة، لتفادي حصول أية معركة عسكريّة. وفي إطار الضغط على المولوي ومنصور، فقد تم إصدار مذكرات توقيف بحقهما منذ أيام من قبل القضاء العسكري.

وفي حال فشل حصول تسوية سياسيّة، فإن الجيش سيلجأ إلى الحسم العسكري، وقد جهّز نفسه لهذا الخيار، عبر نشر آليات ثقيلة داخل مدينة طرابلس وفي محيط التبانة، إلى جانب الانتشار الكثيف لعناصره في مختلف أحياء المدينة. وقد نشر الجيش عددا من الدبابات ومدافع الميدان، كما نقل جزءا من أفواجه القتالية، ومدرعات فرنسية الصنع خاصة بحرب الشوارع. وبحسب معلومات عسكرية، لـ"العربي الجديد"، فإن الجيش لن يلجأ إلى الهجوم العسكري البري عبر المشاة، بل سيلجأ إلى الأسلوب، الذي اعتمد في معركة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين عام 2007، وهو أسلوب قريب من الأرض المحروقة، ويرتكز على قوة نارية ناتجة عن القصف المدفعي والجوي، وحصار المنطقة المستهدفة، مما يؤدي إلى تجويع المقاتلين وتدمير كل ما يُحيط بهم مما يُجبرهم على تسليم أنفسهم أو الموت.

أمّا على صعيد الاتصالات السياسيّة مع هذه المجموعة، فقد عُلم أن النائب السابق، مصباح الأحدب، هو آخر السياسيين الذين زاروا منصور والمولوي، واللافت أن الأحدب توجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، قائلا: "أن تجلس مع أسامة منصور وشادي المولوي، اللذين هما ابنانا، وتسمعهما، مهما كانت أخطاؤهما، أفضل من أن تجلس مع (مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله) وفيق صفا، لتغطي هدر دماء أهلك"؛ وهذا ما يؤشّر إلى احتمال بدء وجود حالة تضامن بين أبناء المدينة مع حالة المولوي ومنصور. يُضاف إلى هذا المؤشر، تحوّل منصور والمولوي إلى ما يُشبه زعماء الأحياء في باب التبانة. ويلفت أحد رجال الدين الطرابلسيين، إلى أن "هذا النوع من الزعامات الذي يُشبه (العقيد) في مسلسل باب الحارة السوري، يجذب شباب الأحياء المحيطة حتى لو كانوا متدينين، وهو ما ينطبق على حالة المولوي ومنصور اللذين باتا يجمعان شباناً يتعاطون حبوب الهلوسة والحبوب المخدرة".

ويقول أحد سياسيي طرابلس، لـ"العربي الجديد"، إن الأسبوع المقبل سيحمل أخباراً جيدة لأبناء المدينة من دون الدخول في تفاصيل هذه الأخبار. لكنّ سياسياً آخر، يُبلغ "العربي الجديد" عن وجود معطيات عن دخول جبهة "النصرة" على خطّ هذه المجموعة، وذلك عبر عرض الجبهة إطلاق سراح عسكريين لبنانيين من العسكريين المخطوفين لديها منذ أغسطس/آب الماضي، خلال اشتباكات عرسال، مقابل فتح طريق آمن لالتحاق هذه المجموعة، التي يُقدر عدد مقاتليها بالعشرات، إلى منطقة القلمون السورية. ويُشير هذا المصدر إلى أنه لا توجد موانع جديّة حتى اليوم لحصول خطوة من هذا النوع، على الرغم من عدم الموافقة عليها بشكلٍ كامل.

عرض جبهة "النصرة" هذا، فتح الأسئلة حول علاقات وتمويل هذه المجموعة. فبعد أن كان الاعتقاد السائد هو انتماء هذه المجموعة إلى "داعش"، فإن التطورات الأخيرة تُشير إلى ارتباطها بجبهة "النصرة"، إذ بحسب بعض المعلومات الأمنية، فإن تمويل المجموعة يأتي من أمير جبهة "النصرة" في القلمون أبي مالك التلي. وفي الوقت عينه، فإن معلومات متقاطعة تؤكّد أن هذه المجموعة تلقت تمويلاً، في فترات سابقة، من رجل أعمال طرابلسي يُعدّ من المقربين من "داعش" (لا تأكيد أن هذا التمويل مستمر). كما أن هذه المجموعة باتت تفرض خوات على بعض التجار في سوق الخضار في التبانة، بحيث "ورثوا الخوات التي كان يفرضها سعد المصري وغيره من قادة المحاور الموقوفين حالياً" بحسب ما يقول أحد الفعاليات الطرابلسية.

يعيش الطرابلسيون الخوف من تطور الأمور باتجاه معارك عسكرية تؤدي إلى تهجير عشرات آلاف المدنيين المقيمين في التبانة، وربما تطال مناطق أبعد من التبانة، خصوصاً أن لا أحد يستطيع أن يحسم عدم وجود مجموعات مسلّحة في مناطق أخرى من المدينة، ولو أن عدد مقاتليها ليس كبيراً. كما لا توجد معلومات دقيقة حول مستوى التنسيق بين هذه المجموعات.