مشكلات المؤسسية في "الإخوان المسلمين"

مشكلات المؤسسية في "الإخوان المسلمين"

21 سبتمبر 2015

إخوانيون أمام مقر الجماعة قبل إغلاقه في القاهرة (Getty)

+ الخط -
تثير المناقشات الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين الجدل بشأن فاعلية الرقابة الداخلية وانعكاسها على تطور الجماعة، فهذه المسألة تعد على قدر من الأهمية، نظرا لمرور الجماعة بخبرات مختلفة، منذ الانتخابات الداخلية في 2009، ومن ثم، فإن الاقتراب من دور "مجلس الشورى" يكشف عن مدى توازن عملية صنع القرار أو اختلاله، وانعكاسات ذلك على دورها ومستقبلها.
لدى مراجعة اللائحة الداخلية المعدلة في 2009، يتضح مدى انحسار سلطات مجلس الشورى واختصاصاته، وذلك مقارنة بسلطات المرشد العام ومكتب الإرشاد، فكما يجمع المرشد بين رئاسة كل من المكتب والمجلس (المادة 2)، يتمتع المكتب بصلاحيات مطلقة وكلية تضمنتها (المادة 6) في خمسة تعريفات، يمكن وصفها بالصلاحيات المطلقة، وهي نوع من الصلاحيات المركبة، والتي يصعب معها توفر ضمانات التوازن بين السلطة والمسؤولية. فقد استخدمت اللائحة مصطلحات "الهيئة الإدارية" و"القيادة التنفيذية" و"المشرف" و"الموجه" و"المختص"، للتعريف بالمكتب واختصاصاته، وهي تجمع بين السلطات الإدارية والمعنوية والتوجيهية، وهي حالة من السلطات الكلية، ما يثير الجدل حول طبيعة الأطر الرقابية الضامنة لالتزام "الهيئة الإدارية" بالميراث الفكري والتوجهات العامة للجماعة وحفظ التوازن بين الأنشطة المختلفة؛ الدعوية والاجتماعية والسياسية.
ووفق المادة (12)، حددت اللائحة وظائف مجلس الشورى، سلطة تشريعية، في إقرار سياسات الحركة ومناقشة التقارير السنوية، لكنها سكتت عن توضيح صلاحيته في مراجعة الأداء التنفيذي والمحاسبة، ما يشكل فجوة كبيرة في الاختصاصات الداخلية، لا يمكن معها الحديث عن توفر شروط المساءلة. وكان من الملاحظ أن الوظيفة الرقابية لم تكتمل، سوى فيما يعرف بلوائح الانضباط ( المادة 17/م)، والمتمثلة في لجنة للتحقيق في سلوك الأعضاء، ما يعني أن الاهتمام الأساسي ينصب على تعزيز الرقابة على الأفراد دون المؤسسات، فيما لم تتشكل لجان أخرى لمتابعة تنفيذ القرارات وصياغة السياسات.
وتثير فجوة السلطة والصلاحيات الجدل حول معوقات الرقابة على تنفيذ القرارات، ويمكن القول إن ثلاثة عوامل، تشكل تحدياً لدور "مجلس الشورى". الأول، حيث يشغل عدد كبير من أعضائه المواقع التنفيذية، ما يجعلهم تحت الإدارة اليومية لمكتب الإرشاد، وهذه الوضعية تجعلهم أكثر ارتباطاً بالشؤون التنفيذية، وهو ما يفقد الحس الرقابي أهم خصائصه، والمتعلقة بالفصل بين الوظائف المختلفة. والعامل الثاني أن اللائحة لا تضع نظاماً لإعمال الرقابة على
مكتب الإرشاد، ما يثير التساؤل حول جدوى إصدار "الشورى" قرارات لا يتمكن من مراجعتها، ويقتصر دوره على مناقشتها فقط، ما يثير النقاش حول صلاحيات مجلس الشورى وصنفها بين الحاجة إليها للاستظهار أو الاعتبار، وهي جدلية تظل قائمة مع استمرار تباطؤ التعديلات اللائحية. ويتمثل العامل الثالث في عدم ثبات عدد أعضاء الشورى، حيث تتيح اللائحة تعيين أعضاء إضافيين على مدى الدورة الانتخابية، ما يساهم في تغيير تركيبة المجلس واتجاهاته، على غير إرادة الناخبين، فقد ارتفع من 90 عضواً بعد انتخابات 2010 ليصل إلى 120 عضواً، واستمر في الزيادة ليصل إلى ما يقرب من 140 عضواً، وهي زيادة تشكل نسبة 55% من الأعضاء المنتخبين في 2010، وكان من الأفضل اللجوء إلى انتخابات مبكرة، للتكيف مع التحولات السياسية التي أعقبت ثورة يناير.
ولا يمكن فهم الواقع الراهن من دون مناقشة انتخابات 2009 – 2010، ذلك أنها تشكل خلفية الكيانات التنظيمية القائمة، حيث بدا تفاوت زمني في تشكيل الكيانات، فبينما أجريت انتخابات مكتب الإرشاد في ديسمبر/كانون الأول 2009، كانت انتخابات الشورى في يونيو/حزيران 2010 تحت إشراف المكتب التنفيذي السابق على تشكيله، وهي حالة تفاقم من التفاوت في فجوة السلطة، كما تشكل انعكاسا للفلسفة اللائحية. وهنا تبدو المفارقة، في وجود فجوة زمنية، يمكن أن تفسر جانباً من الأزمات الداخلية التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين، فبينما يتأسس "المكتب" القائم على انتخابات 2004، فإن مجلس الشورى، يتأسس على تطلعات الناخبين في 2010، وساهم هذا الوضع في تأجيل حسم مسائل كثيرة متعلقة بالتطوير والمؤسسية، وإيجاد حالة استصحاب الأزمات، من دون وجود مسار لحلها، فالأزمة الحالية واحدة من ارتدادات أزمة انتخابات 2010، وهي لا تعبر عن حراك داخلي، بقدر ما تعبر عن خلافات تقليدية.
في ظل هذه الظروف، تبدو أهمية الاقتراب من التطبيقات الرقابية وفاعليتها، لعل النموذج الأبرز هنا ما يتعلق بمشاريع تطوير الجماعة منذ 2007، فعلى الرغم من ترويجها والانشغال الواسع بها، فإن توقف هذه المشاريع أو انقضائها من دون تقييمها، يمكن تفسيره من خلال فجوة السلطة والصلاحيات المطلقة، والتي تعوق فكرة المحاسبة.
وبجانب شغل أعضاء الشورى المناصب التنفيذية في الجماعة، ساهم اختيار عدد منهم للمناصب السياسية في الدولة، وزراء ومحافظين، في زيادة انخراط المجلس في الأعباء التنفيذية، ما يثير الجدل حول قدرته على الإلمام بالدور الرقابي المحدود، فبعد انتخاب محمد مرسي رئيساً
للجمهورية في مصر، جرت تعيينات لمناصب سياسية، ولم يتضح وجود دور للشورى في مراجعة هذه التعيينات أو إقرارها، كمتابعة لتنفيذ قراره بالدخول في انتخابات الرئاسة، والتحقق من توفر المعايير الموضوعية، ما نتج عنه انخفاض القدرة في التعامل مع التغيرات السياسية.
هذه المسألة مثيرة للنقاش، خصوصا من وجهة مدى ارتباط مجلس الشورى بالقرارات التي يصدرها، وقدرته على متابعتها، فعلى الرغم من ظهور أزمات عديدة، لم يتدخل مجلس الشورى لمناقشة المسار السياسي، فلدى متابعة القرارات التي أصدرها المجلس منذ 2011، يتضح أنه باستثناء قراري رفض دخول الرئاسة، ثم الموافقة عليها، يلاحظ أن غالبية القرارات ارتبطت بتفويض مكتب الإرشاد أو استكمال عضويته، فيما لم تتضح اتجاهات المساءلة أو المناقشة وأبعادهما.
ومنذ 2008، بدت اتجاهات لتحديث اللوائح، لكنه لا يبدو أن تعديلات اللوائح تسير نحو إجراء تغييرات تحقق التوازن بين الكيانات المختلفة، حيث لا تتطرق لجوهر القضايا أو الفلسفة التنظيمية، حيث تشير إلى تغييرات هامشية، فيما يتعلق بصلاحيات الشورى، وهناك اتجاه في التعديلات لزيادة سلطات مجلس الشورى، بحيث لا تقتصر على مناقشة التقارير، وإنما تتعداها للمحاسبة، وتعيين 15 عضواً بالشورى، وهي اقتراحات تشكل بداية نوعية في الاقتراب من التصحيحات الهيكلية. غير أن اتجاهات التعديل ظلت مترددة في حسم النقاش حول إقرار قاعدة للتداول، تنهي استمرار المسؤولين في شغل المناصب فترات طويلة، وفتح آفاق التغيير أمام خبرات وأجيال أخرى، وكانت مقترحات في 2006 تسمح بترشيح شاغلي المناصب فترة واحدة، وتم التراجع عنها في 2009، ليفتح الترشيح للجميع، ما يقلل فرص توسيع التداول أمام أجيال وشرائح أخرى. وهنا يمكن القول إن حسم هذه المسألة صار أكثر إلحاحاً في الوقت الراهن، خصوصاً في ظل الارتباك أمام وضع خيارات لحل الأزمات الداخلية أو المساهمة في التعامل مع الأزمة السياسية في الدولة.
وبشكل عام، تطرح اتجاهات تعديل اللوائح عدم اكتمال الرؤية التي تساعد في تحقيق التوازن الداخلي، فهي تركز على تصحيحات هامشية، لا تتضمن نقل صلاحيات حقيقية لمجلس الشورى، كما أنها لا تسعى إلى وضع نظرية تنظيمية تعالج اختلال التوازن بين السلطة والمسؤولية، وليس من المفهوم عدم الانتهاء من التعديلات في السنوات الماضية، حيث سنحت فرص كثيرة لاتخاذ إجراءات تصحيحية، كان أهمها سهولة انعقاد مجلس الشورى وتوفر الظروف لإجراء انتخابات مبكرة، تساهم في التناسق مع التغيرات السياسية الداخلية والخارجية.
أدت هذه التركيبة والممارسات إلى ضعف الإنجازات وهشاشة الأداء السياسي، ويمكن القول إن موانع الرقابة والمحاسبة لم تكن في نقص الصلاحيات فقط، وإنما في إشكالية الإرادة للتحول نحو المؤسسية. وبهذا المعنى، تواجه جماعة الإخوان المسلمين تحدي إجراء تغييرات جذرية ترسخ المؤسسية المتوازنة، وهو تحدٍّ ما زال يحمل في طياته تعقيداتٍ كثيرة، تساهم في الحيرة تجاه الخيارات السياسية.
5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .