الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } * { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } الآية.

قال الليثُ " يقال سلختُ الشهر: إذا خرجت منه ". و " الانسلاخُ " هنا من أحسن الاستعارات، وقد بيَّن ذلك أبو الهيثم، فقال: " يقال: أهْللنا شهر كذا، أي: دخلنا فيه، فنحنُ نزداد كلَّ ليلةٍ منه إلى مضيِّ نصفه لباساً، ثم نسلخه عن أنفسنا جزءاً فجزءاً إلى أن ينقضي وينسلخ "؛ وأنشد: [الطويل]
2744- إذا مَا سَلخْتُ الشَّهْرَ أهلَلتُ مِثلهُ   كَفَى قَاتِلاً سَلْخِي الشُّهُورَ وإهْلالِي
والألف واللام في " الأشهر " يجوز أن تكون للعهد، والمراد بها: الأشهرُ المتقدمة في قوله:فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } [التوبة:2]، والعربُ إذا ذكرت نكرة، ثم أرادت ذكرها ثانياً أتت بضميره؛ أو بلفظه مُعرَّفاً بـ " أل " ، ولا يجوز حينئذ أن نصفهُ بصفةٍ تُشْعر بالمغايرة، فلو قيل: " رأيت رجلاً، فأكرمتُ الرَّجل الطَّويل " لمْ تُرد بالثَّاني الأول وإن وصفته بما لا يقتضي المغايرة جاز، كقولك: فأكرمت الرجل المذكور، ومنه هذه الآية، فإنَّ " الأشهر " قد وصفت بـ " الحُرُم " ، وهي صفةٌ مفهومة من فحوى الكلام فلم تقتض المغايرة، ويجوزُ أن يراد بها غيرُ الأشهر المتقدمة، فلا تكون " أل " للعهد وقد ذكر المفسرون الوجهين.

قالوا: المرادُ بالأشهر الحرم: الأربعة، رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.

وقال مجاهدٌ وابن إسحاق: " هي شهور العهد فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر، ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يوماً ".

وقيل لها حرم: لأنَّ الله حرَّم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتَّعرض لهم.

فإن قيل: هذا القدر بعض الأشهر الحرم، واللهُ تعالى يقول: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ }. قيل: لمَّا كان القدر متصلاً بما مضى أطلق عليه اسم الجمع، ومعناه: مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم.

قوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ }.

اعلم أنَّه تعالى أمر بعد انقضاءِ الأشهر الحرم بأربعة أشياء:

أولها: قوله: { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: على الإطلاق في أي وقت كان في الحل أو الحرمِ.

وثانيها: " وَخُذُوهُمْ " أي: أسروهم.

وثالثها: " وَٱحْصُرُوهُمْ " والحصر: المنع، أي: امنعوهم من الخروج إن تحصنوا، قاله ابن عباس.

وقال الفرَّاءُ " امنعوهم من دخول مكَّة والتَّصرف في بلاد الشام ".

ورابعها: قوله { وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ }. في انتصاب " كل " وجهان:

أحدهما: أنه منصوبٌ على الظرف المكاني.

قال الزجاج " نحو: ذهبت مذهباً ". وردَّ عليه الفارسيُّ هذا القول من حيث إنَّه ظرف مكان مختص، والمكانُ المختصُّ لا يصلُ إليه الفعلُ بنفسه بل بواسطة؛ في نحو: صَلَّيْتُ في الطريق وفي البيت، ولا يصل بنفسه إلاَّ في ألفاظٍ محصورةٍ بعضها ينقاس، وبعضها يسمع، وجعل هذا نظير ما فعل سيبويه في بيت ساعدة: [الكامل]

السابقالتالي
2 3 4 5 6