كرزاي ومكتب طالبان في الدوحة

كرزاي ومكتب طالبان بالدوحة - الكاتب: مصباح عبد الباقي

undefined

أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الخارجية الأفغانية جانان موسى زاي يوم الأحد 24/3/2013م في كابول أن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي سيزور قطر خلال الأسابيع المقبلة. وقال -خلال لقائه بوسائل الإعلام- إن الزيارة المذكورة تتم بدعوة رسمية من أمير قطر، وأن الهدف منها توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات الاقتصادية والأمنية، والعمالة الأفغانية، كما أن قضية المصالحة الأفغانية، وفتح مكتب سياسي لحركة طالبان في العاصمة القطرية ستكون من أهم الموضوعات التي سيتطرق لها الجانبان.

إيجاد المكتب السياسي لحركة طالبان من أهم القضايا التي تشغل بال المهتمين بالمعضلة الأفغانية، لأنه يتوقف عليه أمر المصالحة الأفغانية، ومن هنا لا بد من وقفة مع هذا الموضوع.

فتح المكتب السياسي لطالبان
بدأت العلاقات المباشرة بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية في عام 2011م بوساطة من ألمانيا وبعض الدول العربية، فالتقى رئيس اللجنة السياسية في حركة طالبان حينذاك طيب آغا بوفد من الحكومة الأميركية في ألمانيا أكثر من ثلاث مرات، ونتيجة لذلك التواصل المباشر تم الاتفاق بينهم على فتح مكتب سياسي لحركة طالبان، ثم حصل الخلاف على الدولة التي ستستضيف هذا المكتب، رفضت حركة طالبان أن تكون الدولة المضيفة هي باكستان، أو تركيا، أو المملكة العربية السعودية.

موقف كرزاي تغير فجأة وأعلنت الحكومة الأفغانية أنها مستعدة للقبول بفتح مكتب لحركة طالبان، لكن بشرط أن تكون الشخصيات التي تمثل حركة طالبان معروفة وتحمل توكيلات بالمحادثات من قياداتها

كانت حركة طالبان تريد أن تخرج من سيطرة باكستان، ومن هنا كانت قد اشترطت أن تبقى هذه المحادثات بعيدة عن علم باكستان ومؤسساتها الاستخباراتية، ولم تقبل بتركيا لأنها دولة تشارك بمجموعة من الجنود في قوات حلف شمال الأطلسي التي تحارب طالبان، ولم يتم الاتفاق على السعودية لأنها كانت تشترط لاستضافة المحادثات أن تقطع حركة طالبان صلتها بتنظيم القاعدة، وأن تقبل بالدستور الأفغاني الحالي، فتم الاتفاق على أن تكون تلك الدولة هي دولة قطر، لسمعتها الطيبة، ولدورها النشط في حل العديد من القضايا، ولأنها ليست لها أطماع سياسية أو اقتصادية في أفغانستان، وذلك بعد مماطلة من الحكومة الأفغانية، ولم يكن اعتراضها على قطر كدولة بل كانت تعترض لأنها لم تكن في الصورة، ولم تستشر في الموضوع.

ولما رأت باكستان أن حركة طالبان بدأت تخرج من سيطرتها ألقت القبض على عدد كبير من قيادات التيار المؤيد للمحادثات في قطر، وفي نفس الوقت بدأت تضغط على أميركا بشتى الطرق لتعيدها إلى اللعبة، وكذلك كانت حكومة كرزاي قد استبعدت من هذه المحادثات تماما، وهذا ما أثار حفيظة كرزاي فأفشى سرها، وفي نفس الوقت حصل تقارب كبير بين موقف الحكومة الباكستانية والحكومة الأفغانية المتضررتين من القرار الأميركي بإجراء محادثات الصلح مع حركة طالبان من غير أن يكون لهاتين الحكومتين دور فيها.

أرسلت حركة طالبان مجموعة من قياداتها السياسية إلى الدوحة، لتولي مهمة المحادثات مع الأميركان بعد فتح مكتب لها فيها بعد وعود أميركية مؤكدة بذلك، وكان من مطالب حركة طالبان أنها لا تريد أن تبقى تجول في حلقة مفرغة من المحادثات، بل تريد أن تقوم أميركا بخطوات عملية لإعادة الثقة، وإبداء حسن النوايا، وكان من بين تلك الخطوات إطلاق سراح عدد من قيادات حركة طالبان المعتقلين في معتقل غوانتنامو الشهير، إلا أن أميركا تراجعت عن وعودها السابقة، وتوقفت عن إطلاق سراح المعتقلين من غوانتنامو، ولم يفتح المكتب الرسمي لحركة طالبان مع تواجد مجموعة كبيرة من قياداتها في الدوحة منذ سنة أو أكثر.

وكان السبب وراء ذلك مواقف الحكومة الأفغانية، وخاصة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، إذأنه لما سأل أحد الصحفيين الأفغان السلطات الأميركية عن سبب تراجعهم عن وعودهم مع حركة طالبان، قالوا: كنا نظن أن حركة طالبان ستقبل بالمحادثات مع حكومة كرزاي كما قبلت مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أننا فوجئنا بالرفض القاطع من قبلها بهذا الخصوص، فاضطررنا أن نتراجع بسبب موقف الحكومة الأفغانية.

لكن موقف كرزاي تغير فجأة، وأعلنت الحكومة الأفغانية في ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم -بعد عقد اجتماع مجلس الأمن الوطني- أنها مستعدة للقبول بفتح مكتب لحركة طالبان، لكن بشرط أن تكون الشخصيات التي تمثل حركة طالبا معروفة وتحمل توكيلات بالمحادثات من قياداتهم، وأن يكون الغرض من فتح المكتب إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية لوحدها.

لماذا تغير موقف الحكومة الأفغانية؟
ويبدو أن الضغوط الشعبية وتشجيع الدول الصديقة لحكومة حامد كرزاي على إجراء المحادثات أدى إلى تغيير موقفه، فالمجلس الثلاثي المركب من رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الباكستاني والرئيس الأفغاني أوصى ببدء المحادثات مع حركة طالبان، ثم أكدت كذلك القمة التركية والباكستانية والأفغانية في أنقرة على نفس القضية.

ولكن توجد خلافات بسيطة بين وجهات نظر الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، بعد قبول الطرفين بمبدأ الرجوع إلى المحادثات، وأن حل القضية الأفغانية يكمن فيها، ومن هنا يلزم أن نشير إلى تلك الخلافات الموجودة بين وجهات النظر المختلفة على الساحة الأفغانية.

ترفض الحكومة الأفغانية أن تتفق أميركا مع حركة طالبان على أمور تخصها، ثم تترك الأمور الأخرى إلى المحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان

فوجهة نظر الحكومة الأفغانية أن أية محادثات لتسوية القضية الأفغانية يجب أن تتم بحضور الحكومة الأفغانية ومشاركتها، وأن الممثل الشرعي الوحيد للحكومة في هذا الأمر هو المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية تحت رئاسة صلاح الدين رباني، وترى أن كل الأمور -بما فيها تحديد ملامح النظام المقبل، وطريقة مشاركة حركة طالبان فيه، والانسحاب الأميركي من أفغانستان- يجب أن تناقش في اجتماعات ومجالس يحضرها الأطراف الثلاثة جميعهم: الولايات المتحدة الأميركية، والحكومة الأفغانية، وحركة طالبان.

وترفض الحكومة الأفغانية أن تتفق أميركا مع حركة طالبان على أمور تخصها، ثم تترك الأمور الأخرى للمحادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، لأن الحكومة الأفغانية لا تثق في أنها تستطيع أن تشجع حركة طالبان على قبول الحلول الوسطية بعد انفرادها بها، لأن أميركا لم تستطع أن تجبرها على قبول شروطها مع استخدام القوة المفرطة، فكيف يمكن للحكومة الأفغانية أن تفعل ذلك.

ويبدو أن هذا هو موقف الأحزاب السياسية التي تعتبر نفسها معارضة سياسية في أفغانستان، فهي وإن كانت تعلن في الإعلام أنها ترفض الحوار والمحادثات مع حركة طالبان قبل أن تترك العنف والعمل المسلح، إلا أنها تؤمن وتصرح في اللقاءات الخاصة أن حركة طالبان يجب أن تقبل بالمحادثات الأفغانية أولا، للاتفاق على التصور الواضح لحكومة المستقبل، ثم يكون الاتفاق على تعديل الوضع الأميركي العسكري في أفغانستان، وترى أن أميركا لو انسحبت قبل اتفاق الأطراف الأفغانية مع حركة طالبان على شكل النظام ودور طالبان فيه سيؤدي ذلك إلى الحروب الأهلية والمشاكل المتنوعة الأخرى.

ووجهة نظر حركة طالبان ترى أن القضية الأفغانية تشترك فيها ثلاثة أطراف: الولايات المتحدة الأميركية، وحركة طالبان، والنظام الأفغاني بكل مكوناته من الحكومة وأحزاب المعارضة، ومن هنا لابد من تصفية الحسابات مع أميركا أولا، لأنها هاجمت أفغانستان وأسقطت حكومة طالبان، وخاضت حركة طالبان ضدها حربا طويلة، فلابد من أن نصل معها إلى حل حول عدة قضايا، منها قضية المعتقلين، ومنها قضية انسحابها من أفغانستان وطريقته وإستراتيجيته، وحين تنتهي الحركة من تسوية المشاكل بينها وبين أميركا عندئذ ستبدأ المحادثات بين حركة طالبان والأطراف الأفغانية الأخرى، وذلك لأن هذه المحادثات ستركز على ملامح النظام القادم، وهذا ما لا شأن لأميركا به.

أما من وجهة نظر أميركا فيبدو أنها لا تريد أن تدخل في المحادثات مع حركة طالبان أو غيرها بغية الوصول إلى التسوية السياسية الكاملة لمعضلة أفغانستان، بل يبدو أنها تريد أن تنهك حركة طالبان في المحادثات، وأن تحدث شروخا داخل جسمها، فتشجع مجموعة منها على تشكيل حزب سياسي والمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، مع بقاء الوضع على ما هو عليه، ومن غير أن تطرأ عليه تغييرات جذرية من الناحية الدستورية والقانونية، ومع الموافقة على الوجود الأميركي المحدد في قواعدها الدائمة وفق الاتفاقية الأمنية التي تجري المحادثات بين حكومة كابول وحكومة واشنطن لتوقيعها قبل نهاية العام الحالي، فهي لا يهمها استقرار الوضع في أفغانستان، بل هي وراء مصالحها.

هل ستحقق زيارة كرزاي نتائج ملموسة؟
يرى المحللون بأن زيارة كرزاي لن تحقق نتائج ملموسة على صعيد المحادثات بين حكومته وبين حركة طالبان، بينما يمكن أن تكون لهذه الزيارة نتائج إيجابية على صعيد تحسين العلاقات بين البلدين، وأما المحادثات على صعيد فتح مكتب سياسي لحركة طالبان فلن تحقق نتائج ملموسة أيضا، لأن الحكومة الأفغانية تشترط أن يكون هذا المكتب للمحادثات مع الحكومة الأفغانية لا غير، وأن الجهة الوحيدة المخولة لتلك المحادثات هي المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، بينما تريد حركة طالبان أن تفتح هذا المكتب لإجراء المحادثات بينها وبين أميركا، للاتفاق على سحب قواتها من أفغانستان، بينما يعلن حامد كرزاي أن القوات الأميركية لن تنسحب من أفغانستان، وفي ظل هذا الانقسام حاليا يبدو من الصعب الوصول إلى اتفاق بشأن فتح المكتب السياسي لحركة طالبان.

لكن الذي يظهر للمتابع أن المشكلة الأساسية بين الجهات الأفغانية هي مشكلة الثقة بين الأطراف المختلفة، ولإزالة هذا العائق يجب أن تحدث لقاءات متعددة بين الأطراف الأفغانية لتتقارب وجهات النظر، فإذا زالت أزمة الثقة يمكن عندئذ التوصل إلى المصالحة والوحدة الوطنية، سواء كانت البداية من المحادثات بين حركة طالبان وأميركا، أو كانت البداية من المحادثات بين الأطراف الأفغانية، لكن الأجمل في الأمر كله هو قناعة جميع الأطراف أن حل المشكلة يكمن في المحادثات على طاولة الحوار، وليس في فوهات البنادق والمدافع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.