عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 محرم 1435هـ/21-11-2013م, 07:08 PM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

حلية طالب العلم

المـُــقـَـدِّمـَـة


المسلمونَ يُعايِشونَ يَقَظَةً علْمِيَّةً ، لكن ؛ لا بُدَّ لهذه النَّواةِ المبارَكَةِ من السَّقْيِ والتَّعَهُّدِ.

لقد تَوَارَدَتْ مُوجباتُ الشرْعِ على أنَّ التَّحَلِّيَ بمحاسِنِ الآدابِ ، ومَكارمِ الأخلاقِ ، والْهَدْيِ الحسَنِ ، والسمْتِ الصالِحِ: سِمَةُ أهلِ الإسلامِ وأنَّ العِلْمَ لا يَصِلُ إليه إلا الْمُتَحَلِّي بآدابِه ، الْمُتَخَلِّي عن آفاتِه.

ولهذا عناه العلماءُ بالبحْثِ والتنبيهِ وأَفْرَدُوها بالتأليفِ ، كآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ الكريمِ ، وآدابِ الْمُحَدِّث، وهكذا.

والشأنُ هنا في الآدابِ العامَّةِ لِمَنْ يَسْلُكُ طريقَ التعلُّمِ الشرعيِّ .

فإليك حِلْيَةً تَحْوِي مجموعةَ آدابٍ، نواقِضُها مَجموعةُ آفاتٍ، فإذا فاتَ أَدَبٌ منها اقْتَرَفَ الْمُفَرِّطُ آفةً من آفاتِه، فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ وكما أنَّ هذه الآدابَ درجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِ فالوجوبُ ، فنواقِضُها دَرَكَاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمِ .

الفصلُ الأوَّلُ
آدابُ الطالبِ في نفسِه
العلْمُ عِبادةٌ


أصلُ الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ ) وهو من أفضل العبادات.
دليل ذلك:
* قال جل وعلا: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ليتفقهوا يعني بذلك ؟ الطائفة القاعدة

* وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )). والفقه هنا يعنى به العلم بالشرع، فيدخل فيه علم العقائد والتوحيد وغير ذلك.

* وقال الإمام أحمد: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته. قالوا: وكيف تصح النية يا أبا عبد الله؟ قال : ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره .

* قالَ بعضُ العُلماءِ : ( العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ، وعبادةُ القَلْبِ )

شَرْطَ العِبادةِ :
الشرط الأول: إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى .
الدليل:
* قولِه تعالى:{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...} الآيةَ
* وفي الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ... )) الحديثَ .

(( فإنْ فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُ شِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا : عَلِمْتُ وحَفِظْتُ . ))

الإخلاص في طلب العلم يكون في:
1- أن تنوي بذلك امتثال أمر الله. {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}
2- أن تنوي بذلك حفظ شريعة الله.
3- أن تنوي بذلك حماية الشريعة والدفاع عنها.
4- أن تنوي بذلك اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

إخلاص النية يتطلب التخلص من كل ما يشوبها مثل:
1- حبِّ الظهورِ
2- والتفوُّقِ على الأقرانِ
3- وجَعْلِ الطلب سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أو صَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك.

نهى العلماء عن ( الطَّبُولِيَّاتِ ) وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ .

وقد قيلَ: ( زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ )
وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ : ( كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ ) .

فاستَمْسِكْ بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ، عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه.

ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه : ( مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي ) .
وعن عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ ! لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ .

الشرط الثاني:( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
وتَحقيقُها بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ. قال اللهُ تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }

لا شك أن المحبة لها أثر عظيم في الدفع والمنع إذ أن المحب يسعى غاية جهده في الوصول إلى محبوبه فيطلب ما يرضيه وما يقربه منه ويسعى غاية جهده في اجتناب ما يكرهه ويبتعد عنه

قال ابن القيم:( كل الحركات مبنية على المحبة)
فالمحبة في الواقع هي القائد والسائق إلى الله عز وجل وانظر إلى الذين كرهوا ما أنزل الله كيف قال الله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } صارت نتيجتهم الكفر.

أما محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنها تحملك على متابعته ظاهرا وباطنا.

فيا أيُّها الطُّلابُ أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ، ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .

يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }
فُرْقَانًا } تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وبين الطاعة والمعصية وبين أولياء الله وأعداء الله إلى غير ذلك
فالمتقي يفتح الله عليه من العلوم وييسر له تحصيلها أكثر ممن لا يتقي، وقد يعطيه في قلبه من الفراسة والإلهام يتفرس بها فتكون موافقة للصواب، وإذا غفر الله للعبد أيضا فتح الله عليه أبواب المعرفة قال الله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } وبعدها {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ } ولهذا قال بعض العلماء : ينبغي للإنسان إذا استفتي أن يقدم استغفار الله حتى يبين له الحق لأنه الله قال { لِتَحْكُمَ } ثم قال {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ}
____________________________
رياء الإخلاص: هو أن يترك العمل الصالح لئلا يتهم بالرياء.


كنْ على جَادَّةِ السلَفِ الصالحِ


كنْ سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، طريقِ السلَفِ الصالحِ من الصحابةِ رَضِي اللهُ عَنْهُم ، فمَن بَعْدَهم مِمَّنْ قَفَا أَثَرَهم في جميعِ أبوابِ الدينِ ، من التوحيدِ والعِباداتِ ونحوِها مُتَمَيِّزًا :
- بالتزامِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِك
- وتَرْكِ الْجِدالِ والْمِراءِ والْخَوْضِ في عِلْمِ الكلامِ وما يَجْلُبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن الشرْعِ.

الجدال والمراء:
هو الباب الذي يقفل طريق الصواب لأنه يحمل المرء على أن يتكلم لينتصر لنفسه فقط، حتى لو بان له الحق تجده إما أن ينكره، وإما أن يؤوله على وجه مستكره انتصاراً لنفسه وإرغاماً لخصمه على الأخذ بقوله.

الخوض في علم الكلام: مضيعة للوقت لأنهم يتكلمون في أشياء من أوضح الاشياء.
أهل الكلام صدوا الناس عن الحق وعن المنهج السلفي البسيط بما يوردونه من الشبهات والتعريفات والحدود وغيرها فأضروا المسلمين في عقائدهم.
((ما الذي حمل علماء جهابذة على أن يسلكوا باب التأويل في باب الصفات إلا علم الكلام))

( وَصَحَّ عن الدَّارَقُطْنِيِّ أنه قالَ : ما شيءٌ أَبْغَضَ إليَّ من عِلْمِ الكلامِ) .

وأكثر من يخاف عليه الضلال هم المتوسطون من علماء الكلام لأن من لم يدخل فيه فهو في عافية منه ومن دخل فيه وبلغ غايته فقد عرف فساده وبطلانه ورجع أما الأنصاف الذين في عرض الطريق يخاف عليهم لأنهم لم يروا أنفسهم أنهم لم يدخلوا في العلم فيتركوه لغيرهم ولم يبلغوا غاية العلم والرسوخ فيه فيضلون ويضلون.

قالَ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى :( وأهلُ السنَّةِ : نَقاوةُ المسلمينَ، وهم خيرُ الناسِ للناسِ ) اهـ . فالْزَم السبيلَ{ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } .

يلزم من كوننا نحث الطلبة على منهج السلف تحريضهم على معرفة منهج السلف وذلك بمطالعة الكتب المؤلفة في هذا كسير أعلام النبلاء وغيرها حتى نعرف طريقهم ونسلك هذا المنهج القويم.
____________________
الجادة : الطريق المسلوك ، وجمعه جوادّ.
نقاوة المسلمين: أي صفوتهم.


مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى
* تحل بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى بأن تكون:

- محافظا على شعائرِ الإسلامِ، وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها،
- دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ،
- مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .
قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى :( أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى)

وخشية الله هي الخوف المبني على العلم والتعظيم، وهي أعظم من الخوف لأن الخشية تكون من عظم المخشي والخوف من ضعف الخائف.
* الْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ.
إنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى، وما يَخشاهُ إلا عالِم. قال الله تعالى: { إنما يخشى الله من عباده العلماء }
العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًا، ولا يَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ .

قال عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضي الله عنه: ( هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ ) اهـ .

من لا يعمل بعلمه:
- صار من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة
- أُورث الفشل في العلم وعدم البركة ونسيان العلم
قال تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه } بعدها ؟ { ونسوا حظا مما ذكروا به } وهذا النسيان يشمل النسيان الذهني والعملي قد يكون بمعنى ينسونه دينيا أوينسونه يتركونه.

أما من عمل بعلمه:
- فإن الله تعالى يزيده هدى قال الله تعالى: { والذين اهتدوا زادهم هدى }
- ويزيده تقوى قال تعالى: { وآتاهم تقواهم }
- وورّثه الله تعالى علم ما لم يعلم.

خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء

تَحَلَّ بآدابِ النفْسِ من:
العَفافِ: بأن يكون عند طالب العلم عفة عما في أيدي الناس وعفة عما يتعلق بالنظر المحرم.
والحِلْمِ: فلا يعاجل بالعقوبة إذا أساء إليه أحد.
والصبرِ: على ما يحصل من الأذى مما يسمعه إما من عامة الناس وإما من أقرانه وإما من معلمه.
والتواضُعِ للحَقِّ: بمعنى أنه متى بان له الحق خضع له، ولم يبغ له بديلا وكذلك تواضع للخلق.
وسكونِ الطائرِ من الوَقارِ والرزانةِ: بأن يبتعد عن الخفة سواء كان في مشيته أو في تعامله مع الناس وألا يكثر من القهقهة التي تميت القلب وتذهب الوقار.
وخَفْضِ الْجَناحِ.

مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ: بمعنى لو أذللت نفسك للتعلم، فإنما تطلب عزها بالعلم.

نقض هذه الآدابِ: إثْم، وشاهدًٌ على حِرمان من العلْمِ والعملِ به، وعلى أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً.

احْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ مثل:
- (الْخُيلاءَ) - وهي الإعجاب بالنفس مع ظهور ذلك على هيئة البدن، كما جاء في الحديث (( من جر ثوبه خيلاء ))- فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ. نفاق لأن الإنسان يظهر بمظهر أكبر من حجمه الحقيقي.

ومن أمثلة توقي السلف منه:
ذكر الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي.
يعني مخافة أن تتحرك حركة تدل على الخيلاء.

- (داءَ الْجَبابِرَةِ (الْكِبْرَ))؛ فإنَّ الكِبْرَ والحرْصَ والحسَدَ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به.

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الكبر بطر الحق وغمط الناس)) .
بطر الحق: ردُّ الحق، وغمط الناس: احتقارهم وازدرائهم.

فتَطَاوُلُكَ على مُعَلِّمِكَ كِبرياءُ، واستنكافُكَ عَمَّن يُفيدُك مِمَّنْ هو دونَك كِبرياءُ. التطاول يكون باللسان والانفعال.
وتَقصيرُك عن العمَلِ بالعِلْمِ حَمْأَةُ كِبْرٍ وعُنوانُ حِرمانٍ .بمعنى نوع من الكبر ألا تعمل بالعلم.

العلْمُ حربٌ للفَتَى الْمُتَعَالِي=كالسيْلِ حرْبٌ للمكانِ الْعَالِي

الزَمْ اللُّصوقَ إِلى الأَرْضِ، وَالإِزْراءَ عَلى نَفْسِكَ، وَهَضْمِها، وَمُراغَمَتِها عِنْدَ الاسْتِشْرافِ لِكِبْرياءٍ أَوْ غَطْرَسَةٍ، أَوْ حُبِّ ظُهورٍ، أَوْ عُجُبٍ.. وَنَحْوِ ذلكَ.
________________________
حربٌ: في لسان العرب: (يقال فلان حَرْبٌ لفلان إِذا كان بينهما تَباعُدٌ)

القناعة والزهادة

التَّحَلِّي بالقَناعةِ القناعة يعني أن يقتنع بما آتاه الله عزوجل ولايطلب أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين.

والزَّهادةِ، (الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ...) وكأنه أراد بالزهد هناالورع والزهد أعلى مقاماً من الورع لأن (الورع: ترك مايضر في الآخرة) و(الزهد: ترك ما لاينفع في الآخرة).

ويُؤْثَرُعن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى: (لوأَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ) لأن الزهادهم أعقل الناس.

وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَاتُصَنِّفُ كتابًا في الزهْدِ؟ قال: ( قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ) .
يعني: (الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ) اهـ
لأن من عرف البيوع وأحكامها وتحرزمن الحرام واستحل الحلال فإن هذا هو الزاهد.

وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بمالا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولايَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ .

وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ...متَقَلِّلًا من الدنيا..
قال رحمه الله: (لقدجِئْتُ من البلادِشِنقيطَومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو (القَناعةُ )، ولو أرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُوثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ).
لا يريد بذلك تزكية النفس إنما يريد بذلك نفع الخلق وأن يقتدي الناس به.

الفصلُ الثاني
كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي

كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه :
(مَن لم يُتْقِن الأصولَ، حُرِمَ الوُصولَ) لأن الأصول هي العلم، والمسائل فروع.
الأصول: هي الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة وهي القواعد والضوابط المأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسنة.

(المشقة تجلب التيسير) أصل من الأصول مأخوذ من الكتاب من قوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج}
من السنة قال النبي r لعمران بن حصين: (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) وقال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)

(ومَن رامَ العلْمَ جُملةً، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً) لا بد أن تأخذ العلم شيئا فشيئا، العلم يحتاج مرونة وصبر وثبات وتدرج.
(ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ) إذاملأ سمعه مما يسمع أو ملأ بصره مما يقرأ ربما تزدحم العلوم عليه ثم تشتبك ويعجز عن التخلص منها.
وعليه فلابُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ. ليس على شيخ أعلى منك بقليل، بل اختر المشايخ ذوي الإتقان والأمانة، لأن الإتقان قوة والقوة لابد فيها من أمانة {إن خير من استأجرت القوي الأمين}، فإن لم يكن عنده أمانة فربما أضلك من حيث لا تشعر.
لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه (من كان دليله كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه)

وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ .
{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}.

أمورٌ لابُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه :
أولا: حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه .
النحو: الآجرومية (واضح وحاصر)، ثم ألفية ابن مالك ( خلاصة علم النحو )
الفقه: زاد المستقنع (لأن هذا الكتاب تميز بكثرة المسائل الموجودة فيه ومن حيث أنه مخدوم بالشروح والحواشي والتدريس)
الحديث: عمدة الأحكام ثم بلوغ المرام.
التوحيد: كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
الأسماء والصفات: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.

ثانيا: ضبْطُه وشرحه على شيخٍ متْقِنٍ أمين.
ثالثا: عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه . (يتقن المختصرات أولا)
رابعا: لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ. (مضيعة للوقت)
خامسا: اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ . (الفوائد مثل: التي يندر ذكرها أو المستجدة. الضوابط مثل: التعليلات للأحكام الفقهية)
سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ (فلا يشتتها يمينا ويسارا) والترَقِّي فيه (لا تبقى ساكنا)، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى مافوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ .

وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ،ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ. (قد يكون مسلَّما لمن لا ينطق بالعربية) لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ... أن الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ.
واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليها الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ.
____________________________________
السابلة: اسم للمارة الذين يسلكون السبيل أي الطريق، ويطلق أيضاً على الطريق.
ومراده القراءة والاستزادة من العلم يحفز لطلبه حتى يكونوا كأعوانه في سلوك الطريق للتمكن من قراءة الكتب المطولة الكبار بحسن فهم ودراية.


مراحل الطلب:

التوحيدِ : ثلاثةُ الأصولِ وأَدِلَّتُها و القواعدُ الأربَعُ ثم كشْفُ الشُّبهاتِ ثم كتابُ التوحيدِ أربَعَتُها للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِالوَهَّابِ رَحِمَه اللهُ
توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ : العقيدةُ الوَاسِطِيَّةُ ثم الْحَمَوِيَّةُ و التَّدْمُرِيَّةُ ثلاثتُها لشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى فـ الطحاوِيَّةُ مع شَرْحِها
النحوِ : الآجُرُّومِيَّةُ ثم مُلْحَةُ الإعرابِ للحَريريِّ ثم قَطْرُ النَّدَى لابنِ هِشام ٍوألْفِيَّةُ ابنِ مالِكٍ مع شَرْحِها لابنِ عَقيلٍ
الحديثِ :الأربعينَ للنوويِّ ثم عُمْدَةُ الأحكامِ للمَقْدِسِيِّ ثم بُلوغُ الْمَرامِ لابنِ حَجَرٍ و الْمُنْتَقَى للمَجْدِ ابنِ تَيميةَ فـ الأمَّاتِ السِّتِّ.
الْمُصطَلَحِ : نُخبَةُ الفِكَرِ لابنِ حَجَرٍ ثم أَلْفِيَّةُ العِراقيِّ
الفِقْهِ : آدابُ المشيِ إلى الصلاةِ للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ ثم زادُ المستَقْنِعِ للحَجَّاويِّ أو عُمْدَةُ الفِقْهِ ثم الْمُقْنِعُ للخِلافِ المذهبيِّ والْمُغْنِي للخِلافِ العالي ثلاثتُها لابنِ قُدامةَ رَحِمَه اللهُ تعالى .
أصولِ الفقهِ : الوَرَقَاتُ للجُوَيْنيِّ ثم رَوضةُ الناظِرِ لابنِ قُدامةَ
الفرائضِ : الرَّحْبِيَّة مع شُروحِها، والفوائدُ الجلِيَّةُ
التفسيرِ:تفسيرُ ابنِ كثيرٍ
أصولِ التفسيرِ : الْمُقَدِّمَة ُلشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ.
السيرةِ النبوِيَّةِ : مُخْتَصَرُها للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ وأَصْلُها لابنِ هِشامٍ وفي زادِ الْمَعادِ لابنِ القَيِّمِ.
لِسانِ العَرَبِ : المعلَّقَاتِ السبْعِ والقراءةُ في القاموسِ للفيروز آباديِّ رَحِمَه اللهُ تعالى.

فهل من عودةٍ إلى أصالةِ الطلَبِ:
- في دِراسةِ المختَصَراتِ الْمُعتَمَدَةِ لا على المذَكَّرَاتِ،
- وفي حِفْظِها لا الاعتمادِ على الفَهْمِ فحَسْبُ
- وفي خُلُوِّ التلقينِ من الزَّغَلِ والشوائبِ والكَدَرِ ( المعلم لا يستعلي على الطلاب ، الطالب يأخذ عن العالم أخذ مستفيد واثق)

وقالَ الحافظُ عثما نُبنُ خُرَّزَاذَ يَحتاجُ صاحبُ الحديثِ إلى خَمْسٍ:
عَقْلٍ جَيِّدٍ- دِين ٍ- ضَبْطٍ - حَذَاقَةٍ بالصِّناعةِ - أَمانَةٍ تُعْرَفُ منه

قال الذهبي: يحتاج الحافظ إلى أن يكون:
تَقِيًّا -ذَكِيًّا - نَحْوِيًّا - لُغَوِيًّا - زَكِيًّا - حَيِيًّا- سَلَفِيًّا - يَكفِيه أن يَكتُبَ بيَدَيْهِ مِئَتَي مُجَلَّدٍ، ويُحَصِّلَ من الدواوينِ الْمُعْتَبَرَةِ خَمْسَمِئَةِ مُجَلَّدٍ - لايَفْتُرَ من طلَبِ العِلْمِ إلى الْمَمَاتِ بنِيَّةٍ خالِصَةٍ وتوَاضُعٍ.

تلَقِّي العِلْمِ عن الأشياخِ
فوائده:
1. اختصار الطريق.
2. سرعة الإدراك.
3.الرابطة بين طالب العلم ومعلمه.
4. أحرى بالصواب.

مَن دَخَلَ في العِلْمِ وَحْدَه، خَرَجَ وَحْدَه
أي :مَن دَخَلَ في طَلَبِ العِلْمِ بلا شيخٍ، خَرَجَ منه بلا عِلْمٍ.

في الكتابِ أشياءُ تَصُدُّ عن العلْمِ، وهي مَعدومةٌ عندَ المُُُعَلِّمِ وهي:
  • التَّصحِيفُ العارضُ من اشتباهِ الحروفِ مع عَدَمِ اللفظِ. (بزا - برا)
  • والغلَطِ بزَوَغَانِ البصَرِ.
  • وقِلَّةِ الْخِبرةِ بالإعرابِ أو فَسادِ الموجودِ منه.
  • وإصلاحِ الكتابِ.
  • وكتابةِ ما لا يُقْرَأُ وقِراءةِ ما لايُكْتَب. كواو عمرو وألف واو الجماعة - الروم والإشمام
  • ومَذهبِ صاحبِ الكِتابِ. (معتزلي أوجهمي )
  • وسُقْمِ النَّسْخِ ورَداءةِ النقْلِ.
  • وإدماجِ القارئِ مواضِعَ الْمَقاطِعِ كلمة لابد أن يقف عليها، يقرأها مع ما بعدها فيختلف المعنى.
  • وخلْطِ مَبادئِ التعليمِ.
  • وذِكْرِ ألفاظٍ مُصْطَلَحٍ عليها في تلك الصناعةِ (مُعْضَل،مُنْقطِع)
  • وألفاظٍ يُونانِيَّةٍ لم يُخَرِّجْها الناقِلُ من اللغةِ.
قالَ العُلماءُ : لاتَأْخُذ العِلْمَ من صَحَفِيٍّ ولا مُصْحَفِيٍّ


رد مع اقتباس